الكاتب: خليل قراجة الرفاعي
منذ أن انطلقت ثورة الكفاح الفلسطينيّ بكل ألوانه وأدواته وأطيافه، ونحن نرنو إلى السّلام الذي يجعلنا نعيش بأمان وطمأنينة على أرضنا، متخذين من تراثنا الكونيّ ومقدّرات بلادنا وتاريخها أملًا نحو حياة الاستقرار والرضى والحرية. لذا؛ فمحاربوا الثورة الفلسطينية هم محاربوا سلام، منذ البدايات، أي ما قبل أوسلو وإقامة أول سلطة وطنية فلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، في حين أنّه ومنذ أول تجمع صهيوني على أراضنا الفلسطينية والمحتل يمارس فينا أبشع عمليات القتل والتهجير والإبعاد ونهب الثروات وتزييف التراث وتغيير الحقائق بقوّة البطش وقانون الغاب.
وكلٌ منّا، أي الشّعب الفلسطيني والمحتل لم تتغير عقيدته، فما زال شعبنا يتطلع إلى تحقيق السلام الكامل والعادل والشامل، وما زال المحتل ينهب ويقتل ويصادر. ولا زالت منظمة التحرير الفلسطينية تواجه بالسلطة الوطنية الفلسطينية وأدواتها السياسيّة والقانونيّة والفكريّة والعلميّة الحرب الإسرائيلية بمشروع السلام، واستطاعت بمحطات دوليّة وعلى الأرض تقييد يدي المحتل.
إنّ تقديم الرواية السياسية الفلسطينية بتقديم الحل السياسي والسلمي جعلَ المحتلّ في قفص الاتهام دوليًا سياسيًا وقانونيًا، وقد نجحت فلسطين في تعزيز هذه الرواية والقوة السياسية بانتخابات المجلس التشريعي الأول ذي الأغلبية السياسية القابلة للمسار السياسي الفلسطيني، في حين اضطرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى اللجوء إلى الفصل بين السلطة الوطنية الفلسطينية وبين المنظمة بصورة واسعة نتيجة الانعكاسات التي انتجتها الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006.
واستطاع المحتل تسجيل نقاط جديدة لصالحه تحت عنوان "فوز الإرهاب" كما أسماه، وهو ما تستنكره كافة قوى فلسطين لا سيما قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة حركة فتح، إلا أنه لا يمكن تجاهل مسألة الإرهاق السياسي الفلسطيني بالدفاع عن صورة الديمقراطيّة الفلسطينية في ظل فوز فريق كان ينكر العمل السياسي.
وعلى ذلك؛ فثمة تساؤل يلح في طرح نفسه: ماذا نريد من الانتخابات الإسرائيلية وماذا تريد إسرائيل من الانتخابات الفلسطينية؟!
تأسيسًا على ما تقدم؛ فإنني أجد أنّ مصلحة المحتل تكمن في خسارة حركة فتح التي تمثل الضّمان الوطني الفلسطيني بين محاور ومفاوض يقبل ويمضي نحو الاستقلال وفق قواعد السلام الدولي، وبين من يقدم صورة خشنة للشعب العربي الفلسطيني، وبين آخرين يحاولوا تحسين شروط الاحتلال!
إنّ رغبة قيادة فتح والشعب العربي الفلسطيني في كنيست إسرائيلي يقبل السّلام ويرفض الاحتلال، تقابلها رغبة الاحتلال برؤية مجلس تشريعي فلسطيني متطرّف ولو نسبيًا؛ وإن تقديم هذا المجلس سيكون هدفًا للحكومة الإسرائيلية لتسجيل نقاط جديدة ضد منظومة الحكم الفلسطيني، وتعزيز رواية أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسّلام.
والنتيجة قيام المحتل بإجراءات البطش والتنكيل والتهجير والابعاد ونهب الثروات وتزييف التراث مرة أخرى، ومرة دائمة، تحت أعين العالم وصمته بحجة الدفاع المشروع ومحاربة الإرهاب المزعوم.