الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

انتخاباتهم و انتخاباتنا

نشر بتاريخ: 25/03/2021 ( آخر تحديث: 25/03/2021 الساعة: 10:17 )

الكاتب: جمال زقوت

أظهرت نتائج الانتخابات الاسرائيلية ليس فقط مدى انزياح الناخب الاسرائيلي و المجتمع برمته نحو اليمين، بل و مدى عمق الأزمة التي تواجه اسرائيل نحو ترسيخ هذا الانزياح بضمان استقرار المؤسسة الحاكمة على أساسه . فبالرغم من نجاح نتانياهو في شق القائمة المشتركة و توجيه ضربة قاسية للوطنية الفلسطينية داخل الخط الأخضر التي سبق و شكلها مشروع القائمة المشتركة على مدار الانتخابات الثلاثة الماضية مرافعة للمشروع الوطني و نموذجاً يمكن الاقتداء به لوحدة فلسطينية تعددية ، و النجاح الكبير الذي حققته الكتلة الاسلامية دون أن تخفي نواياها المعلنة لدعم نتانياهو على الأقل لافلاته من قضايا الفساد التي قد تؤدي به للسجن .

و رغم اختراقات التطبيع مع دول اليأس العربي التي أظهرت قدرة نتانياهو لتمزيق ما كان يعرف بالتضامن العربي مع القضية الفلسطينية، إلا أن ذلك كله أيضاً لم يمنع من استمرار ذات الأزمة مع بعض التقدم الذي حققه في معسكر اليمين و اليمين المتطرف على حساب المعسكر الآخر ، و لكن هذا التقدم يشكل الانزلاق الاخطر الذي يحد من قدرته على المناورة من خلال شرعنة الكهانية المجرمة التي تمثلت بوحدة سموتريتش و بن غفير و التي تشكل ولادة العودة الرسمية لحركة كاخ على أيدي القابلة القانونية نتانياهو و ما يستدعيه ذلك من استراتيجية كفاحية مختلفة على جانبي الخط الأخضر لمقارعة هذا المد الفاشي الواضح .

إن أخطر ما ميز الانتخابات الاسرائيلية هو نجاح نتانياهو من استثمار انجازه في تفكيك القائمة المشتركة بتوجيه ضربة قاصمة لاطرافها الاساسية الثلاث التي حصلت مجتمعة على ستة مقاعد ، الأمر الذي يؤكد مدى تمدد و تجذر أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية للتجمع الفلسطيني الأهم الموجود داخل الخط الأخطر ، و عدم اقتصار هذه الأزمة على الحركة الوطنية التي تقودها فصائل منظمة التحرير و انفضاض المجتمع الفلسطيني عنها سواء في الأرض المحتلة أم في بلدان اللجوء و الشتات .

صحيح أن الجناح الأكثر عنصرية في الحركة الصهيونية لم يحسم معركته على هوية اسرائيل القادمة في معركته الداخلية بعد، و لكنه للاسف فإنه يحقق نتائج ملموسة في استمرار تفتيت الحركة الوطنية الفلسطينية و دفعها خارج القدرة على توحيد صفوفها أو استعادة زمام المبادرة في صون القضية الفلسطينية و استعادة المبادرة من قبل كل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بل فإنه على هذا الصعيد و رغم المتغيرات الدولية التي تؤشر لعدم قدرة هذا اليمين على الذهاب بعيداً في تصفية القضية الفلسطينية بفعل الصمود الشعبي رغم افتقار هذا الصمود لرؤية و استراتيجية فلسطينية موحدة بل وهيمنة سياسية رسمية منعزلة تماماً عن احتياجات الصمود الشعبي و متطلبات تعزيزه أو استثماره على حد سواء، أو بفعل حالة التضامن الدولي التي لم تضعف بل و شهدت جيوب تقدم جوهرية سواء على صعيد المقاطعة أو في اطار الجبهة الكونية المناهضة للعنصرية و الكراهية.

إن التحدي الاكبر أمام الشعب الفلسطيني يتمثل في مدى تمكنه من استثمار محطة الانتخابات الفلسطينية إن جرت في موعدها لتطوير قدرة الحالة الشعبية من مغادرة الاحباط، الذي كرسته قوى الانقسام المهيمنة على المشهد و تلك العاجزة على مواجهته، في استنهاض و توليد قوى اجتماعية و سياسية جديدة تُمكَّن الشعب الفلسطيني من استعادة زمام المبادرة سواء لجهة تحرير الأمل لدى قطاعات شعبية واسعه و معه تحرير حقوق المواطنين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الحقوقية المدنية من حالة الاستبداد و الفقر و التعدي على الحريات ، أو بتحرير الارادة السياسية للنظام السياسي من العبث و الانفراد و التفرد الذي ولدته حالة الانقسام و تمزيق المؤسسات الجامعة الوطنية منها و الرقابية، و ذلك باجبار القوتين المهيمنتين على المشهد من الاقرار بعدم قدرة أي منهما و لا بمحاصصتهما الثنائية على استمرار السيطرة على الحالة الفلسطينية و سيادة السياسات الداخلية و الخارجية التي أوصلت شعبنا و قضيته لأسوأ مرحلة في تاريخ القضية من وهن و تفكك ليس فقط بناها الداخلية و انفضاض حاضنتها الشعبية بل و المس بمكانتها الاقليمية و الدولية ، و انعكاس ذلك كله على استمرار صعود اليمين الفاشي الذي يقترب يومياً من تحقيق طموحاته التاريخية بتوجيه الضربة القاضية لمكونات القضية الفلسطينية تمهيداً لتصفيتها، و التي ظلت تشكل استراتيجية اليمن العنصري الفاشي الأساسية منذ النكبة وحتى اليوم . هنا التحدي الذي يجب أن يشكل بوصلة المواطن في معركة الانتخابات التي تشكل مفتاح صوغ النظام السياسي الفلسطيني إما بتكريس الوضع القائم و ما يحمله من مخاطر على المصير الوطني ، أو باعادة بنائه على أساس الصمود الميداني للمواطن و الصمود السياسي للحركة الوطنية الناهضة رغم ما يلحق بها اليوم من خراب .