صادق الخضور
حتى اللحظة، وبمتابعة الكثير من الأسماء التي أعلنت نيتها الترشّح للانتخابات المزمع إجراؤها، يلاحظ أن الكثير منها تفتقد لمقومات تتيح لها الاضطلاع بدور فاعل في المشهد التشريعي، فكثير من الأسماء همّها المجلس دون الالتفات إلى ما تقتضيه طبيعة" التشريعي"، من قدرة على التشريع وسنّ القوانين.
أنْ يكون المجلس بمعزل عن التشريعي؛ هدفا في حدّ ذاته، فهذا يعني أن السعي للوجود في قلب المجلس يندرج في إطار السعي لتحقيق منافع شخصية وفردية قبل أن تكون للمجموع، وهو ما يجعل وجود كل من يفكّر بهذه الطريقة وجودا عبثيا لا فائدة ترجّى منه.
التشريع هو جوهر وجود المجلس؛ خاصّة بعد سنوات من تعطّل المسار التشريعي، والحاجة إلى تطوير تشريعات جديدة، وأهمية مراجعة أي تشريعات قائمة، وكلها معطيات تؤكد أن المطلوب هيئات ولجان على سويّة عالية من الخبرة، فالتشريعي ليس مجرد وجود من أجل الوجود في قلب المجلس، وإذا كانت لحقيقة: " فاقد الشيء لن يعطيه"؛ أن تفرض ذاتها، فإنها تصدق على كل من جعل الترشّح وجهته وهو يدرك أنه غير قادر على تقديم أي إضافة.
كل التقدير لكثيرين أعطوا ونجحوا في مجالاتهم دون أن يعني ذلك أنهم قادرون على النجاح في المجال التشريعي، فما بالكم إذا كانت نسبة ما من الطامحين في الترشح لم تسجّل أي نجاح؟! وعذرا لهذه المصارحة، ثم إن الحديث عن كتل هنا وهناك مع تغييب واضح لفئة ذوي الإعاقة يضع علامات استفهام كثيرة.
الخبرة والتخصص، واستحضار طبيعة اللجان التي ستكون في المجلس ضرورة لا غنى عنها؛ فالأكاديميون وخبراء الاقتصاد والقانون والتربويون والشباب- رجالا ونساء-، والمثقفون والمناضلون والأسرى، ...كلهم ممن هناك حاجة لوجودهم لكن حتى مع توافر الصفة المطلوبة وجب إعمال المعايير، وتحديدا والتحديات جسام، وواهم من يظنّ بأن الحكاية ستنتهي مع وجوده في المجلس؛ إذ إن الحكاية حينها وفقط حينها ستبدأ.
الطموح حق، لكن ثمّة فارق بين الطموح الشخصي، والطموح متى ما ارتبط بالمجموع، وثمّة من طرح ذاته وهو لم يكلّف خاطره معرفة بنود القانون الأساسي أو الإطلاع على وثيقة الاستقلال، وحبذا لو كان هناك اختبار مبدئي في بعض المواد والنصوص للمرشحين، لأنه ودون امتلاك من سيتولى ناصية التشريع أساسيات الإلمام، سنجد أنفسنا أمام كارثة.
هو ليس انتقاصا من حقّ أي أحد في الترشح، لكنها دعوة للواقعية والتقييم الموضوعي والذاتي، وأهمية تقدير الموقف بكل أمانة، بعيدا عن المبالغة في تضخيم الذات، أو المبادرة للترشح من باب المناكفة، ولهذا فإن العشرات ممن راودهم شعور بأن تقديم طلب خطّي وإرفاقه بصورتين كفيل بأن يكون جواز مرور للترشح مخطئون!!
للأسف؛ لا يقدّر كثيرون حساسية وخصوصية مجلس تشريعي منتظر في ظل غياب واضح للمنظومة التشريعية على مدار سنوات، ثمّة من هو صالح للترشح لو كنا إزاء مجلس يأتي بعد وجود مجلس فاعل تواترت دوراته بانتظام، أمّا أن يكون نهج الوجود الاستعراضي في مجلس ينتظر منه الكثير، فهذا حكم مسبّق على المجلس بالفشل.
عذرا للمصارحة، والحديث يشمل الجميع، ونحن بحاجة إلى التشريعي قبل المجلس، فلسنا إزاء مجلس مجرّد من التشريع، فالكلمتان مجلس وتشريعي متلازمتان، وإلا وكأننا نتحدث عن مجلس بمعنى " الديوان".