الكاتب: الدكتور عماد البشتاوي
إن أزمة اليسار الفلسطيني و فشله في تحقيق وحدة , أو على أقل تقدير قائمة مشتركة لخوض الانتخابات القادمة, تعكس أزمة عميقة عاشتها التنظيمات اليسارية منذ بداية وجودها و صعودها أزمة تعود بجذورها الأولى إلى البدايات و طبيعة التشكل و التشكيل, و عدم القدرة على تجاوز التكتيك بالاستراتيجي .
واجه اليسار الفلسطيني مشكلات و إشكاليات عديدة لعل من أبرزها كثرة الانشقاقات – على عكس فتح و حماس - وهذا يعود لظروف ذاتية و موضوعية . فالظروف الذاتية متعلقة بغلبة و تغليب الجانب الشخصي و المصلحي على باقي الاعتبارات , و هذا ما أدى بهذه القوى اليسارية إلى تنافس و صراعات و تحالفات على جميع الأصعدة : فلسطينياً و إقليميا و دولياً .
و فيما يتعلق بالظروف الموضوعية فمن خلال تتبع عمليات الانشقاقات التي تعرض لها اليسار بشكل عام , و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل خاص فإن المفاجأة هي قيام منظمة التحرير الفلسطينية بمكافأة المنشقين بمخصصات و ميزانية و مقاعد في أجهزتها و مؤسساتها , في حين كان يعاقب المنشقون عن حركة فتح بالحرمان من كل الامتيازات بل و تصل الأمر الى حد العقوبات . ألا يدعو ذلك للتساؤل و الاستفهام ؟ لا يمكن إدراج تلك الانشقاقات ووضعها في خانة حرية الرأي والتعبير و الديمقراطية , لأنها ببساطة خضعت لمعايير مزدوجة : مسموح هنا ومكافأ و ممنوع ومحرم هناك ومعاقب .
البعض يحاول أن يفسر و يبرر تراجع اليسار الفلسطيني بسبب سقوط الاتحاد السوفييتي و المنظومة الاشتراكية , ونحن نتفق في أن هذا السقوط ترك أثراً و صدى مزلزلاً على اليسار العالمي من جانب , لكنه ومن جانب آخر جعل البعض يعيد الحسابات و يصحح الأخطاء و يقيم التجربة . أما اليسار الفلسطيني فقد اكتفى البعض بتغيير اسم الحزب وكأن هذا الالتفاف على الجماهير ووعيها هو النقد الذاتي و تقييم التجربة . في حين تمسك البعض الآخر بمصطلحاته اليسارية , ومارس عكسها على الواقع , من حيث السياسات و الاصطفافات والتحالفات , فعارض أوسلو وانخرط فيها و في مؤسساتها ومأساتها بشكل مباشر و غير مباشر .
لم ينجح اليسار الفلسطيني في المواءمة و التوفيق بين هدفين رئيسيين أولهما : سياسي وطني تحرري , وثانيهما: متعلق بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن الطبقات الوسطى والفقيرة, و حماية شرائح الشعب الفلسطيني التي تعاني الاستغلال والظلم , والقضاء على الفساد بشتى الطرق و بجميع الوسائل لأن حركة التحرر و الفساد خطان متوازيان لا يلتقيان .
إن عدم القدرة على انجاز التحرر و الاستقلال , بحكم مجموعة من الأسباب و الظروف الداخلية والإقليمية و الدولية متفهم إلى حد ما , لكننا نعجز عن فهم و تبرير التخلي عن الهدف الثاني و الذي يعتبر الطريق إلى الوصول للهدف الأول أليس ذلك من أبجديات اليسار ؟
بما أننا متفقون على وجود أزمة متعلقة بالمشروع السياسي و التحرري ,أليس بالإمكان إيجاد صيغة لبرنامج انتخابي موحد لقوى اليسار شعاره العدالة الاجتماعية , آخذا بعين الاعتبار البعد الاقتصادي و الاجتماعي لهذه الشرائح الواسعة الغائبة و المغيبة من الشعب الفلسطيني . ألهذه الدرجة بلغ اليسار من العجز وغياب الهوية ؟
أليس من حق الشارع أن يسأل اليسار الفلسطيني عن (التجمع الديمقراطي الفلسطيني ) , الذي تشكل عام 2019 من خمس قوى, تندرج تحت إطار مسمى اليسار بشكل أو بآخرهي : الجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية و حزب الشعب و المبادرة و فدا . لقد كان من المفترض أن يكون هذا التجمع هو نقطة الارتكاز و التوازن للحركة الوطنية الفلسطينية وللمشروع الوطني .
لقد بات من الواضح ان الخلاف الجوهري و الحقيقي بين قوى اليسار هو شخصي بالدرجة الأولى بعيداً عن المسميات الكبرى و الشعارات , ففي حين يعجز اليسار بشكل عام و الجبهتان الشعبية و الديمقراطية بشكل خاص – و جميعهم يتبنى نفس الأيدلوجية -عن الوحدة أو التنسيق على أقل تقدير , نراه على الجانب الآخر يطالب فتح و حماس بالوحدة و إنهاء الانقسام و تغليب المصلحة العامة على الخاصة . أي تناقض هذا ؟ وتحت أية جدلية أو ديالكتيك ممكن أن نفسره؟