الأربعاء: 22/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

العائلة في المجتمع الفلسطيني المعاصر

نشر بتاريخ: 01/04/2021 ( آخر تحديث: 01/04/2021 الساعة: 19:10 )

بقلم محمد الخطيب

حرصت شعوب العالم منذ وجودها على متن الحياة إلى يومنا هذا على تفردها وتميزها، قومياً وثقافياً، لذلك أكدت على وجود هوية لها تحافظ على كيانها المجتمعي وتأطره، وتصنع له فكراً عاماً على مختلف الأصعدة، ينتمي إليه أفراد المجتمع الواحد. حملت العائلة هذا الدور الأساسي في نمو المجتمع، وتبنت دورها من خلال التنشئة الاجتماعية للأفراد الذين تأتي بهم على هذه الحياة، فتقوم بجوهر التنشئة الاجتماعية وهي تكوين الوعي لدى الأفراد الناشئين حول أمور الحياة الجيد منها والسلبي، المقبول وغير المقبول، ليدرك الأبناء البيئة المحيطة بهم وكيفية التفاعل معها.

وتعتبر العائلة الفلسطينية مميزةً عن باقي العائلات في المجتمعات المختلفة، خاصةً في السياق الذي تعيش به، كونها تحت استعمار استيطاني يحاول سلبها هويتها وثقافتها وكينونتها المتمثلة بمجموعة من السمات الخاصة بها والتي تعكس اللغة والعقيدة والحضارة والتاريخ.

تم عمل 5 مقابلات مع أرباب وربّات الأُسر، بهدف فحص الصعوبات التي تواجها العائلة في السياق الفلسطيني المعاصر وما هية المشكلات الحياتية التي تعيشها، وكيف تتفاعل معها، وكيف تحاول تحسين حياتها. كانت المقابلات مع 3 أمهات وأبوين، تتراوح أعمارهم من 26 عام وحتى 48 عام، من مناطق مختلفة في محاظفة بيت لحم، وكان جميع أفراد العينة قد أنهوا تعليمهم الجامعيّ.

إن العائلة الفلسطينية من وجهة نظر العينة لديها مهام محددة سلفاً، تتمثل بتوزيع الأدوار على أفراد تلك العائلة، فتأخذ النموذج التقليدي للأب الذي يتمثل بأخذ الدور القيادي والمسؤولية في اتخاذ القرارت، فيما تقوم الأم بدور المساعد والمنبه لاحتياجات العائلة وتساعد الأب في دوره، أما الأبناء الصغار فيأخذون أدوار ثانوية، مثل الاهتمام بشؤون كبار السن وتوفير ما يحتاجونه، والدعم اللوجستي لباقي أفراد العائلة، وتكون مسؤوليتهم الاهتمام بأمور تعليمهم. أما العائلة كوحدة مكونة من الكبار فعليها مسؤولية الاهتمام أفراد العائلة الآخرين، ومساعدتهم في تكوين علاقات اجتماعية بينهم ومساعدتهم كأفراد في احتياجاتهم. وفي آخر المطاف تأخذ العائلة مسؤولية تنشئة الأبناء بما يتناسب مع الثقافة المجتمعية، والحفاظ على القيم والعادات الخاصة بالمجتمع.

تواجه العائلة الفلسطينية في الوقت الحاضر عدداً من الصعوبات، اتفقت استجابات العينة على أن الوضع الأقتصادي المادي هو أكبر مشكلة تواجه العائلة الفلسطينية في الوقت الحالي، حيث أن الالتزامات المادية وظروف الحياة المعيشية باهظة الثمن، وأن أجور العمل لا تتوافق مع الالتزامات والاحتياجات، وقد تشابهت استجابات المقابلات حول هذه النقطة، والتي تعتبر تحدٍ كبير أمام العائلة الفلسطينية بالوقت الحاضر، وفي ذات الوقت تحاول هذه العائلات التعامل مع هذه المعضلة الأساسية في حياتها من خلال عددٍ من الأمور أهمها تحديث نظام الأدوار في العائلة، حيث أصبح العمل خارج المنزل ليس حصراً على الأب، حيث أخذت الأم دوراً كبير في العمل خارج المنزل، وأصبح توفير مصاريف المنزل دوراً تشاركياً. كما تحاول العائلة السيطرة على هذه الصعوبة من خلال إدارة الأمور المادية، حيث تسجيل الالتزامات، والتشاور بين الأفراد، وفي بعض الأحيان الاستعانة بطرف ثالث.

كما تواجه العائلة الفلسطينية معضلة في التواصل الفعال بين أفراد العائلة، وتتمثل هذه المشكلة في الحياة اليومية التي تعيشها العائلة الفلسطينية، حيث تواجه مشكلة بالحوار والنقاش حول ما تمر به العائلة، والتعبير عن الصعوبات التي يوجهها الأفراد، والتي ينعكس منها ردات فعل قد لا تتناسب مع الحدث الصعب، فبعض الأفراد يتصرفون بشكلٍ عصبي، وبعضهم ينسحب ويهرب، ولا بد للأشارة بأن العائلات التي تواجه صعوبة في التواصل تتطور مشكلتها في وضع ضوابط وحدود واضحة بين أفراد العائلة، والذي يجعل كينونة العائلة غير واضحة، والأدور بها متداخلة، مما ينعكس بشكلٍ سلبي على جودتها، وتعاملها مع ظروف الحياة.

وفي مواجهة المعضلات التي تمر بها العائلة، وتفاعلها مع ظروف الحياة، اقترحت عينة المقابلات عدداً من العوامل التي تساعد في تحسين جودة الحياة التي يعيشونها، حيث أشارت استجابات العينة على أن التواصل الإيجابي هو أهم عامل قد يحسن العلاقة الزوجية والأسرية للعائلة، حيث يعكس التواصل الإيجابي عدداً من النقاط أهمها التفاهم والنقاش والصراحة وتقبل النقد، وهذا الذي يعزز من التشارك الذي ينعكس على العائلة بشكلٍ إيجابي، فيتشارك أفراد العائلة الاهتمامات، ويتفقون على القوانين الأسرية والحدود فيما بينهم، فيساعد على تعاونهم في التفاعل مع ظروف الحياة وصعوباتها. كما أشارت الاستجابات لأهمية التواصل العاطفي وتلبية الاحتياجات العاطفية، حيث أن الحب والاحترام، والدعم المتبادل، والترفيه، عوامل تعزز من جودة حياة العائلة، وتجعل علاقات أفراد العائلة فيما بينهم أكثر دفأةً وطمأنينةً.

وبالرغم من ذلك يجب الأشارة بأن بعض العائلات الفلسطينية تقع في فخ فهم توفير الاحتياجات العاطفية على توفير الرفاهية، حيث على سبيل المثال تخرج في نشاط ترفيهي، ولكن تبقى علاقة أفراد العائلة متوترة فيما بينهم، حيث أنهم لا يشاركون بعضهم البعض بما يشعرون، وأنما فقط يتصرفون، كما أشارت إجابة أحد أفراد العينة "بأن العائلة الفلسطينية تتصرف ولا تشعر"، حيث تقع العائلات الفلسطينية في معضلة التقليل من أهمية التواصل العاطفي، والذي ينعكس سلباً على جودة حايتها في الوقت المعاصر.

إن العولمة أثرت على جميع مناحي الحياة على كوكب الأرض، وإحدى هذا الكيانات الـتي تأثرت بها هي العائلة الفلسطينية، حيث تحاول الإندماج في الحياة الجديدة التي أنشأتها الحداثة، وأثرت عليها بأشكال مختلفة، فتحاول اللحاق بقطار الحياة، من خلال توفير كل الأشياء التي تَعرضُها الحداثة، لكي تشعر بأنها لا تقل عن بقية العائلات في العالم، وبالنهاية تحاول في ضوء ذلك أن تيسر جهودها في محاولة السيطرة على الصعوبات والمعضلات التي تواجهها، وأن تحسن من ظروف حياتها في العالم المعاصر أمام كل هذه التحديات.