السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

معيار التفاضل ورعاية الكرامة الإنسانية

نشر بتاريخ: 19/04/2021 ( آخر تحديث: 19/04/2021 الساعة: 00:43 )

الكاتب:

الدكتور سهيل الاحمد

ما أجمل الاطمئنان حين يحرص عليه من قلوب خاشعة، ونفوس قانعة، فهم هذه الحقيقة يحتاج إلى النظر في واقع المرء وما يخالط من متعددات، فإذا خالط ونظر بتجرد وبعد عن التحيز والتمايز المقيت وصل إلى قناعة: أن الويل كل الويل لأمة مقسمة إلى أجزاء وكل جزء منها يحسب نفسه أنه أمة، فالله تبارك وتعالى قد أكرم الخلق لإنسانيتهم وجعل متنوعات مسخرة لخدمتهم، ومن جمال الإكرام أن خلقهم شعوباً وقبائل وأقواماً وأجناساً باختلاف في ألوانهم وأشكالهم وألسنتهم ولغاتهم ليتحصل للمرء الارتياح والانفراج، لأنهم لو كانوا على شاكلة واحدة وعلى لغات ثابتة وبطبائع وصور جامدة لأصبح للعيش كآبته وللتعامل تقليده ورتابته وللحياة سآمتها، وعليه فقد كان الاختلاف إبعاداً للملل وتحييداً للكسل ومدعاة للانطلاق إلى العمل وزيادة في الحسن والأمل، وإذا تحقق للمرء الاطمئنان الحق في حياته المعاشة لمجرد الاختلاف فقد وجب الحرص على استمرار الاطمئنان والبحث عن عوامل الاستقرار، من خلال القوانين الموضوعة، والضوابط المقننة للسلوك والتفاعل التي هي في الدين الحق واضحة ومجموعة، وقد كان ازدياد الإكرام من الله سبحانه للإنسان بأن أرسل له من يبشره وعن الشر والسوء والطيش ينفره، فكانوا هم الرسل الذين أوصلوا للبشرية أسباب سعادتهم وطول تمكنهم والإفهام في حقيقة تسخرهم، فمن التزم بما جاءوا به وتبنى دينهم ومنهجهم ومبدأهم فقد كان هو للإكرام محصل وعلى الجنة والرضا مقبل، في دينه ومعاشه وفي حياته وبعد مماته، وقمة الالتزام الآخذ بجوامع السعادة أن تسلم نفسك لله تعالى وتتبع تعاليمه وتتفهم حقيقة وحدة النظر ووحدة السفر، إذ إن المسلمين لله تعالى والمقبلين على تعاليم رسوله هم : كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهم ذمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، ويعدون أن من عَيَّر أخاه لعرق أو لون أو لغة إنما هو مرتكب لعناصر الجهل، مبتعد عن حسن التصرف في الفعل والقول، فلا شعور لمفارقة الهم إلا بأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وأن تكره له ما تكره لنفسك، وتتذكر هذا بمعرفة أن ادعاء التفاضل في عرق أو لون أو قبيلة إقصاء لك عن صف الجسد الواحد، المتحلي بالعلم والفهم والأخوة والبنيان المرصوص، وهذا ما كان من منهج نبينا صلى الله عليه وسلم الذي علمنا الحب الصادق والشفافية الواضحة، فبعد أن أرسله الله للبشرية جميعاً لعجمهم وعربهم ولأبيضهم وأسودهم ولذكرهم وأنثاهم قد عامل أركان دولته بالمؤاخاة على أساس محبِّب وبناء مثبت لا فيه تفرد، وإنما هو قائم على الجمع والتوحد، وبعد أن جعل المؤاخاة الجامعة كأساس الحضارة اللامعة أبرز أن من ادعى أفضلية لعرق أو لون أو قوم فهو كمن احتوى لنفسه تبني النتانة، وجعل لها ما يسبب في الخلاف احتدامه، وأيد هذا بأن من دعا إلى تمسك الناس بعصبية أو احترام قومية أو تفرقية فهو مثبت لعوامل البعد عن الحقيقة المؤيدة لعمومية المحبة وشمولية السعادة، من خلال أنه ليس من صف أخوة الدين التي أرادها صلى الله عليه وسلم المنبثقة من رحمته التي جاء بها للناس جميعاً، فمن ادعى أنه يملك معيار التفاضل وبأنه مؤسس له على أساس شخصي نفسي أو فكر فردي بلا رجوع للضوابط التي يسهل على جميع الاختلافات تحصيلها والقيام بها فهو مردود عليه، ويعد هذا خارج عن الانفراجات إلى الاضطرابات والانقباضات، إذ المعيار المطلوب له النجاح يُقبل إذا كان لعناصر التضحية والإعانة مفتاح، ولغيره من التقلبات مرواح، فيهتم بالمنضمين إليه من عموم أفراده ولا يقصره على من وافقه فقط في أفكاره واجتهاداته، لأن شأن هذا مما يوقف التطور ويضفي للخيرات والمطلوبات كل سوء وتغيُّر، فيجعل الجمع في وضع المتحفز لمعاركة وغير المتقبل لأي مشاركة، فوجب لهذا جعل المعيار المتفاضل فيه معياراً ربانياً من خلال صفات الرجل الصالح، وعباد الرحمن الذين يكون مشيهم بقصد الخيرية في كل خطوة، وباتخاذ الرفق أساس الانطلاق، والحفاظ على أعراض الناس منهج الصِّداق، وبأن قوة البناء تكون مع اللين بالرفاق، بعدم الاتهام وباتخاذ عوامل السلام، وبتذكر أن أول من خالف هذه المثالية إبليس فعد بهذا أول متكبر عنصري ومتسبب للطاعة بالتنكيس، ولأذهان المحبين والمتمتعين أن يتحلوا بالخبث والتدنيس، من خلال اجتهاده في تمييز نفسه بأنه خير من غيره المستخلص والمستخلف لكونه (إبليس) من نار وغيره (آدم) من طين، أما عرف أنه قد خالف أمر الله جل شأنه ورفض الانقياد لخالق الرديء من الخلق والنفيس، وكان بهذا العصيان منبوذ ومطرود وخاسر للرحمة والفوز المنشود والممدود، فليراعي العاقل حق نفسه وليقبل على معرفة واجبه تجاه غيره، فيتعلم أن تفاضل الناس له معياره وهو ليس من نساج أفكاره، وإنما متبع لعوامل الهداية المبتغاة والأفضلية المنتقاة، وهي معايير بإمكان الجميع أن يحققها في نفسه ولغيره، تتمثل بالتقوى وما ينتج عنها من ازدياد الإيمان وتحقق الإحسان وجمع عوامل الصدق والأخوة لجميع بني الإنسان بلا ظلم أو نكران، وإنما بوحدة المطالب وبكون الأخروية منها هي الشأن الغالب، حتى لا يقع المرء مدعاة للمثالب، وإنما يكون أهلاً للمحاسن والمناقب، ليتحقق للتخالفات بلوغ المعالي، ويزداد قطافهم لخيار المنالي، وكل هذا بجعل مقدار الالتزام بالقيم والتقوى هو المعيار المفضال.