الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
بعد ثلاث و سبعين سنة من النكبة الفلسطينية فأن اللغة الرخوة و المطاطة و ذات العشرة الاف وجه قبيح، انما تقوم بما يقوم به السلاح الفتاك ايضا من قتل للشعب الفلسطيني و شطبه و شيطنته .
فأدانة التصعيد الخطير تعني ان الذي قام بالادانة هو من الجبن بحيث لم يحدد ما نوع هذا التصعيد و ضد من و مع من يقف .
فهو ليس جبانا فقط بل خائن للقانون الدولي و الانساني و فاقد للاخلاق و القيم ايضا.
اما الذي يتشارك مع اخرين الرؤية في ضرورة التوصل الى حل يتفق عليه الاطراف الفلسطينية و الاسرائيلية فأنه اكثر جبنا و خسة و قلة اخلاق ، فهو يدعم شيئا لا وجود له و هو يختبىء خلف حاجز شفاف من العري الفاضح .
اما الذي يشعر بالقلق و الانزعاج و السخط فهو يستخدم لغة طفولية تعفيه من اتخاذ القرار الصائب و الحقيقي، فالقلق و الانزعاج و السخط هي اعراض نفسية لمراهق لم يتجاوز بعد حليب الرضاعة .
اما ذلك الذي يعبر عن دعمه للفلسطينين و تضامنه معهم فهو مجرد رومانسي لا يملك سوى الدموع و التنهدات، فالدعم و التضامن مجرد كلام ناعم لا يسمن ولا يغني من جوع .
اما اؤلئك الذين يعتقدون انهم اذكياء ، فأن لغتهم تكتسب نوعا من الاهمية و الضجيج دون ان يكون ذلك يعبر عن شيء على الاطلاق ، مثل القول انه لا بد من انهاء النزاع الدائر الذي سيزيد من فرص التطرف و اليأس في المنطقة ، ان مثل هذا الموقف عار من الاخلاق و الانسانية على الاطلاق، فهو لا يهتم بحياتنا ولا ممتلكاتنا ولا مصيرنا و لكنه يهتم بنفسه فهو لا يريد لهذا الصراع ان يؤثر على مصالحه او امنه الشخصي، و هناك جبناء اخرون يساوون بين الضحية و الجلاد، و هناك خبثاء يطلقون تصريحات زلقة لها الف وجه و تفسر على كل الاصعدة، و هناك من اصدر بيانا لم ترد فيه كلمة احتلال ، و هذا يتجاوز كل الاوصاف الى اوصاف لا يمكنني ايرادها هنا .
بعد ثلاثة و سبعين سنة من النكبة الفلسطينية و فشل المشروع الصهيوني في الغائنا او شطبنا عن الخارطة او من الاسرة البشرية ، فأن الاختباء وراء لغة بلاستيكية رخيصة انما تعكس مواقف متهالكة و رديئة ولا ترقى الى مستوى الانسانية التي يدعي الجميع انه يريد ان يحميها.
اسرائيل و بعد ثلاثة و سبعين سنة نجحت في بناء كيان عدواني كما ان الاقليم العربي خسر قيام دولة فلسطينية على البحر المتوسط ، الم يحن الوقت اذن لتصحيح المسارات و المصطلحات ايضا.
و بالتأكيد ، نحن لسنا ضد الادانة اللفظية حتى لو كانت بكل هذه الرخاوة و المطاطية او البلاستيكية، و لكننا ضد الاكتفاء باللغة البلاغية او الركيكية او القوية او الاكثر قوة، نحن كعرب و فلسطينيين ضد ان نتحول الى ظاهرة صوتية او شعاراتية ثم نكتفي بذلك .
بعد ثلاثة و سبعين سنة من النكبة، تحولنا بفعل لغة جاهلة و غبية الى صورة منفرة، فيما تحولت اسرائيل_و بنجاح اخذ بالتأكل_ الى ضحية ابدية رغم كل ما تفعله بنا و بالاخرين ايضا ، حتى الاعلام الاسرائيلي يحول القصف الجوي الهمجي لقطاع غزة الى عملية انسانية يضطر الى القيام بها .