الكاتب: راسم عبيدات
زيارة وزير الخارجية الأمريكي " بلينكن" الى المنطقة ولقائه اليوم الثلاثاء مع القيادات الإسرائيلية رئيس الحكومة ووزير الخارجية ورئيس الأركان،بالإضافة الى اللقاء مع قيادة زعامات السلطة وفي مقدمتهم الرئيس ابو مازن،تأتي في إطار الهجمة المرتدة التي يشنها الحلف والمعسكر المعادي على محور ا ل م ق ا و م ة،من اجل انقاذ دولة الإحتلال والسلطة في رام الله،ومنع اي تبدلات في النظام السياسي الفلسطيني،وبما يمنع قوى ا ل م ق ا و م ة الفلسطينية من السيطرة على القرار السياسي والمشهد الفلسطيني،وكذلك العمل على تثبيت وقف إطلاق النار ومنع حدوث مواجهة اسرائيلية - فلسطينية خامسة على أرض القطاع،والعمل بكل قوة على تعويم الخيار التفاوضي،وبما يمكن من الإلتفاف والسيطرة على التحولات التي ستطرأ في مسار النضال الوطني الفلسطيني في الفترة القادمة،فهناك العديد من دول النظام الرسمي العربي المتهالك تخشى ا ل م ق ا و م ة الفلسطينية اكثر من خشيتها من الإحتلال،ورغم أن معركة " سيف القدس" التي حدثت في بيئة غير مناسبة محلياً وعربياً ودولياً، لكنها قالت بأن الشعب وا ل م ق ا و م ة اذا امتلكت الإرادة والقرار قادرة على تحقيق الإنتصار،وان هذه المعركة سجلت نصراً مستحقاً من " سيف القدس" على "حارس الأسوار" ،وهي تفتح آفاق رحبة نحو تغيير الواقع،اذا ما احسنا عملية الإستثمار وإدارة المعركة بشقيها السياسي والعسكري .....كيان الإحتلال الصهيوني بدأ بالتصدع وشقوق الإنقسام السياسي والأيدولوجي فيه تكبر وتتوسع،ونحن ندرك بان في مقدمة اهداف مجيء "بلينكن" للمنطقة،ليس السعي لحل للقضية الفلسطينية،بل تبريد عملية الصراع،عبر عدة بوابات سنأتي على ذكرها في سياق المقالة،وخاصة بان هناك قضايا وملفات توليها الإدارة الأمريكية اهمية أكبر من الصراع العربي - الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية،وتعتقد بان الظروف غير ناضجة من أجل القيام بخطوات جدية في هذا الجانب.
الإدارة الأمريكية مشغولة بملفات العلاقات المتأزمة مع روسيا،والتي ادت الى طرد متبادل للدبلوماسيين وفرض عقوبات امريكية على روسيا،ويبدو بان اجتماع لجان الأمن القومي من الدولتين،تمهدان للقاء قمة بين بوتين وبايدن،من اجل تبريد الصراع،وكذلك السعي الى الحل على صعيد الإتفاق النووي الإيراني،بحيث تعود ايران عن خطواتها خارج الإتفاق النووي،من رفع نسب التخصيب وتقيد حركة وكالة التفتيش الذرية،بالمقابل امريكا تعود للإلتزام بالشق الإقتصادي من داخل الإتفاق،برفع العقوبات غير الشرعية اقتصادية وتجارية ومالية وسياسية وغيرها عن ايران.
يضاف لذلك ملف انقاذ السعودية من مستنقع الحرب اليمنية التي دخلت عامها السابع دون تحقيق سعودي لأي من أهداف العدوان.
في إطار السعي الأمريكي ومحوره الأوروبي الغربي والعربي الرسمي التطبيعي،سيعملون بشكل منسق من اجل تطويع حركة ح م ا س عبر الإغراء بالسلطة والإعمار وممارسة الضغوط عليها من خلال الثنائي القطري- التركي،وفي خط مواز تدخل مصر والسعودية بقوة على خط السلطة الفلسطينية من اجل تنشيط المفاوضات مع الإحتلال وبما يرفع من سقف التنسيق الأمني،ويترافق ذلك مع تقديم مساعدات مالية وتسهيلات لها على الأرض من أجل تقويتها وإستعادة دورها وشعبيتها التي تآكلت بشكل كبير من بعد معركة " سيف القدس"،وأصبحت فاقدة للشرعيتين الإنتخابية والتمثيلية الوطنية.
صحيح بأن " معركة سيف القدس" أعادت القضية الفلسطينية الى قمة الإهتمامات العربية والإقليمية والدولية بعد إهمال طويل،وقالت بان القضية الفلسطينية ليست فقط حية،بل هي تشكل جوهر الصراع،ولكن هذا الإهتمام العربي والعالمي ،ليس بالكافي من اجل يقدم حلولاً للقضية الفلسطينية،وصحيح بان هذا الإهتمام اعطى جرعة إنعاش لخيار التفاوض الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة،ولكن الأساس الذي ستجري عليه المفاوضات،لا يوجد اتفاق أو توافق عليه،فسياسياً دولة الإحتلال تعيش ازمة سياسية عميقة، حيث لا يوجد حتى اللحظة حكومة اسرائيلية قادرة على اتخاذ قرار، وحتى لو نجح نتنياهو او حتى لبيد في تشكيل حكومة يمينية ضيقة،فهي غير قادرة على التقدم سياسياً وفق مشروع حل الدولتين،وستنتحر سياسياً وسيجري اسقاطها من قبل قوى اليمين الديني والعلماني...وكذلك ربما الأمور تذهب نحو الذهاب الى انتخابات تبكيرية خامسة خلال عامين،وهذا يحتاج لفترة زمنية لا تقل عن ستة شهور،ومن ثم دوامة تشكيل الحكومة وغيرها،وعندها سيثار سؤال آخر،هل سيكون بإمكان الحكومة التي ستتشكل التقدم سياسياً نحو حل الدولتين..؟؟ ...وبالمقابل الحالة الفلسطينية حتى اللحظة تعاني من الإنقسام ولا توجد رؤية واستراتيجية فلسطينية موحدتين،وهناك سلطة منذ 2006 لا تحظى بالشرعية،وأبعد من ذلك فقدت شرعيتها الوطنية والشعبية،وبالتالي هي ليست مالكة للقرار والتقدم بحل.
ولذلك لا نعول كثيراً على جولة وزير الخارجية الأمريكية "بلينكن" للمنطقة،فهو أقصى ما يمكن ان يفعله ان ينجح في تثبيت الهدنة في قطاع غزة،وربما قد ينجح او لا ينجح في تثبيت وقف إطلاق النار،وخاصة بأن واحدة من اشتراطات وقفه،هي احترام مكانة المسجد الأقصى ووقف طرد وترحيل سكان حي الشيخ جراح،وما نشهده من " تغول" و"توحش" صهيوني في الأقصى وفي حي الشيخ جراح خاصة ،وفي القدس عامة والداخل الفلسطيني – 48 – والذين يدفعون الثمن الأغلى،اعتقالات بطرق وحشية وصلت من ال 13 من نيسان الماضي حتى اليوم الى أكثر من 1550 معتقلاً،ناهيك عن الحرب الإقتصادية التي تشن عليهم من مقاطعة لمحلاتهم ومصالحهم التجارية والإقتصادية،والطرد والفصل من العمل والتضيقات في الحركة.
نحن نقول بأن هذا المحتل سيستمر في المناورة والخداع والتضليل،ونتنياهو لا يستطيع في ظل تسيُد اليمين واليمين المتطرف والجماعات الإستيطانية التقدم في الجانب السياسي،وتقديم تنازلات في القدس،لأن ذلك سيشكل مساساً خطيراً بقوة الردع الإستراتيجي الإسرائيلية،وشطب شعار " القدس الموحدة"،العاصمة الأبدية لدولة الإحتلال،وينسف صفقة القرن الأمريكية ،ولذلك نحن نقول بشكل واضح بأن زيارة " بلينكن" للمنطقة،تأتي في سياق الهجوم المضاد من قبل المحور المعادي،من أجل تفريغ نصر معركة "سيف القدس" من محتواه،وخلط الأوراق،ونقل الصراع مع المحتل الى الداخل الفلسطيني،والنشاط المكثف ببث الإشاعات وحملات التشكيك بصدقية ال م ق ا و م ة والشعارات التي رفعتها،وبأن كلفة ا ل م ق ا و مة أعلى بكثير من كلفة خيار التفاوض وأين هو النصر المتحقق..؟؟وغير ذلك من الشعارات من طراز أين نصر هذا ودفعنا قرابة 280شهيدا واكثر من الف جريح وخسائر باهظة في الممتلكات والمباني والبنى التحتية والمصانع وشبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي وغيرها...؟؟.
المهم ما سيجري من تحريك في الملف السياسي تحت عنوان "حل الدولتين"،يجب أن يكون هناك عند القيادة والقوى الفلسطينية اجوبة،لموقع عرب الداخل الفلسطيني – 48 – ،في الحل السياسي،هل سيجري التضحية بهم..؟؟وهم من حملوا ونهضت على أكتافهم قضايا حماية القدس والأقصى والشيخ جراح،وكان تأثيرهم في تفكيك جبهة الإحتلال الداخلية وإرباكها أكثر من تأثير وخطر الصواريخ على الإحتلال.
هذه قضية مفصلية يجب أن يجاب عليها من قبل صناع القرار الفلسطيني،هل سنقبل بأن يذوب شعبنا هناك ويندمج في المجتمع الصهيوني ويتخلى عن هويته وقوميته في سبيل حقوق مدنية مساواة ووقف التمييز العنصري وإنهاء دولة " الأبارتهايد" والتطرف والإنفلات الوحشي ضده،ام اننا سنذهب نحو خيار،أن هوية شعبنا تمثل جوهر الصراع،وبالتالي لا بديل عن حماية هذه الهوية،والعمل على ان يكون شعبنا هناك جزء من المشروع الوطني الفلسطيني بشكله الكلي،وأن يصار إلى طلب الحماية الدولية لشعبنا هناك ..؟؟