الكاتب: د. رمزي عودة
في جولته المكوكية في المنطقة قبل ثلاثة أيام، في أعقاب أعمال المقاومة في الشيخ جراح وقطاع غزة، أعلن "بلينكن" أهدافه الأربعة من جولته؛ وهي: تأكيد إلتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، والبدء بالعمل من أجل إستقرار أوسع وتقليص التوتر في الضفة الغربية والقدس، ودعم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة من أجل إفادة الشعب الفلسطيني، ومواصلة إعادة بناء علاقات الولايات المتحدة مع الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية. ومما لاشك فيه، أن أهداف زيارة "بلنكن" وتصريحاته في إسرائيل لم تعجب كثيراً من الفلسطينيين لاسيما في تأكيده على حرص بلاده على أمن إسرائيل دون التعليق على الانتهاكات الاسرائيلية في المسجد الأقصى أو حتى دون إدانة أعمال التطهير العرقي في الشيخ جراح، وبالرغم من ذلك، فإن تصريحات ومواقف "بلينكن" في رام الله هي أيضا لم تعجب غالبية الإسرائيليين لاسيما أحزاب اليمين المسيطرة على الحكم هناك.
خططت القيادة الفلسطينية جيداً للقاء "بلينكن"، ونجحت بشكل لافت وكفؤ في التنسيق المسبق مع أهم الدول العربية ذات العلاقة بالملف الفلسطيني؛ وأهمها الأردن ومصر والسعودية، وذلك بهدف توحيد الموقف العربي في إستثمار نتائج هذه الزيارة لصالح المشروع الوطني الفلسطيني. ولأول مرة منذ صفقة القرن وتداعياتها، بدا الموقف العربي متناسقاً مع الموقف الفلسطيني الرافض للإحتلال والإستيطان وتهويد القدس، والداعي لحل الدولتين بناءً على قرارات الشرعية الدولية. وظهر جلياً للجميع بأن سياسات إسرائيل خلال الأربعة سنوات الماضية المتعلقة بالتطبيع مع الدول العربية والهادفة الى عزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي قد فشلت تماماً كما فشلت سياساتهم التي إستهدفت صمود الفلسطينيين في الشيح جراح وسلوان وبطن الهوى.
من زاوية آخرى، نجحت القيادة الفلسطينية في إضافة جملةً من النتائج على الموقف الأمريكي تجاه الصراع، وتمثلت أهم هذه النتائج بإعلان "بلينكن" الصريح الموقف الأمريكي الثابت تجاه حل الدولتين، إضافةً الى إعلانه عن الموافقة الأمريكية على إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. وبالرغم من أن هذه المواقف تم الإعلان عنها مسبقاً في البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي على أن تكون محور السياسية الخارجية الامريكية بعد إنهاء الملفات الصعبة أمام الادارة الأمريكية الجديدة سواء ملف كورونا أو الصين، الا أن التصريح عنها كموقف رسمي في رام الله له دلالات سياسية وقانونية مهمة جداً، وأهمها بدء مرحلة إعادة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الفلسطينية الى سابق عهدها قبل تولي ترامب سدة الحكم عام 2016. كما أن هذه التصريحات الرسمية تشير بشكل واضح الى فشل دبلوماسية نتنياهو التي إستمرت منذ تولي الرئيس "بايدن" للضغط على إدارته لمنعه من إعادة إفتتاح السفارة الأمريكية في القدس الشرقية.
في الملخص، خرج "بلينكن" من مقر المقاطعة في رام الله، وهو محمل برسائل عديدة من القيادة الفلسطينية الى الرئيس "بايدن"، أهمها أولاً: أنه لا يمكن ضمان إستمرار الاستقرار في المنطقة طالما إستمرت حكومة الاحتلال بتهويد المدينة المقدسة وتهجير السكان منها. وثانياً: إن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه الديمقراطي إذا ما إشتمل هذا الخيار على إجراء الإنتخابات في القدس، وحتى تتحسن الظروف وتصبح مواتية لمثل هذا الخيار، فإن حكومة مشكلة من مختلف الفصائل ستكون بمثابة المرحلة الإنتقالية لإدارة المرحلة الراهنة بما فيها عملية إدارة عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة. والرسالة الثالثة والاهم التي إستمع اليها "بلينكن" هي أن عودة المفاوضات وفقاً لقرارات الشرعية الدولية يجب أن تمثل بشكل عاجل محور السياسية الأمريكية تجاه الملف الفلسطيني، بحيث يتم الضغط على حكومة الاحتلال للقبول بمؤتمر دولي للسلام تحت رعاية دولية. وفي المحصلة، تمسكت القيادة الفلسطينية بمجموعة من الثوابت في حديثها مع "بلينكن"، حيث رفضت الاشتراط عليها بعدم تحويل ملف حرب غزة والشيخ جراح الى المنظمات الدولية والمحاكم ذات الاختصاص. كما أكدت القيادة الفلسطينية على أحقية تمثيلها لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والقطاع، مع التأكيد على أن حوارات الوحدة الوطنية ستستمر من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة دون الاضرار بمسؤوليات السلطة وفقاً للاتفاقيات الثنائية ووفقاً للقانون الدولي. وفي النتيجة، فإن البناء على منجزات الإجتماع مع "بلينكن" يعتبر ضرورةً وطنية ملحة في الوقت الحاضر، كما أنه يعكس شرعية القيادة الفلسطينية وثباتها على الثوابت الوطنية.