الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التحديات التي تواجه حركة فتح بعد معركة سيف القدس

نشر بتاريخ: 30/05/2021 ( آخر تحديث: 30/05/2021 الساعة: 10:09 )

الكاتب: العميد أحمد عيسى

لا مبالغة بالقول أن الجولة الأخيرة من المواجهات التي إندلعت في كل أرجاء فلسطين الإنتدابية بين الفلسطينيين ودولة الأحتلال الإسرائيلي، والتي كان أشرسها معركة سيف القدس التي نشبت بين فصائل المقاومة في قطاع غزة وجيش الإحتلال الإسرائيلي، قد وسعت من مروحة التحديات التي باتت تواجه حركة فتح مؤخراً، لا سيما بعد صدور مرسوم إجراء الإنتخابات الفلسطينية العامة بتاريخ 15/1/2021.

حيث وضعت الإنتخابات المتوقعة حركة فتح أمام تحدي إستعادة شرعية السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني في مناطق السلطة السلطة الفلسطينية التي كانت قد فقدتها خلال جولة الإنتخابات السابقة التي جرت العام 2006 وفازت فيها حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، التحدي الذي بات من المستحيل معالجته، لا سيما بعد تشكيل مجموعة من قيادات فتح المؤثرة عزمهم على خوض الإنتخابات من خلال كتلة إنتخابية لكتلة فتح الرسمية، الأمر الذي كان أحد موجبات قرار تأجيل الإنتخابات.

المفارقة هنا أن قرار تأجيل الإنتخابات لم يخفف من حدة أثار تحدي إجراء الإنتخابات، بل أضاف تحدي أخر، إذ أظهرت عملية إخراج قرار التأجيل، حركة فتح وكأنها تقيم وزنأ لمكانتها في النظام السياسي على حساب حق الشعب الدستوري في إنتخاب ممثليهم في البرلمان.

وبينما الحال كذلك إندلعت معركة سيف القدس، التي علا فيها صوت غرفة العمليات المشتركة في غزة بقيادة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس على كل الأصوات، والتي أعلن الشعب الفلسطيني برمته في فلسطين الإنتدابية وخارجها وبشكل عابر لكل الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية، إلتفافه حول هذا الصوت مؤيداً وداعماً وفرحاً بما يشاهد ويسمع.

وقد ساهم هذا الإلتفاف في زيادة قائمة التحديات التي تواجه حركة فتح، لا سيما وأن البعض قد رأى في هذا الإلتفاف قرينة على تأييد شعبي عارم للنهج الذي تسير عليه القوى السياسية التي تتشكل منها غرفة العمليات المشتركة، وشاهداً على كفر الشعب وإبتعاده عن نهج التسوية السياسية والمفاوضات الذي بات واضحاً لأصغر الفلسطينيين سناً بعد ثلاثة عقود على إنخراط الفلسطينيين الجاد في هذه التسوية، أن غاية إسرائيل من هذا التسوية ليس التوصل الى تسوية سياسية تنهي الصراع مع الفلسطينيين، بل غايتها هي فرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني وإجباره على الإقرار بالرواية الصهيونية في فلسطين، الأمر الذي رفضه ويرفضه الفلسطينيون برمتهم وفي مقدمتهم منظمة التحرير الفلسطينية.

وتجدر الإشارة هنا أنه فيما تتفق هذه المقالة مع جدل البعض أن إعتبار التأييد الشعبي العارم لصواريخ ومدافع المقاومة في غزة بمثابة تصويت شعبي على إنتقال الشعب من مربع التسوية الى مربع المقاومة المسلحة ينطوي على نوع من التسرع في إستخلاص النتائج، إلا أنها في نفس الوقت تؤكد أن الشعب الفلسطيني لم يعد يحتمل البقاء يتقلب على أديم نار الوضع الحالي، لأن البقاء على الوضع الحالي ببساطة أكثر كلفة من الخروج عليه، وهذا هو التحدي الأساس الذي ترى هذه المقالة أنه يواجه حركة فتح في المرحلة الحالية إضافة لما سبق من نحديات.

وفي ذات السياق كانت الجولة الأخيرة من المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل بجيشها وشرطتها ومستوطنيها التي ربما تكون قد هدأت على حدود قطاع غزة، إلا أنها لا زالت مشتعلة في باحات المسجد الأقصى وضواحي القدس ومناطق الإحتكاك في الضفة الغربية وداخل مناطق العام 1948، قد أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الفلسطينية عامة وداخل حركة فتح خاصة حول ماذا بعد هذه الجولة؟ إذ يتفق الجميع أن مابعد هذه الجولة ليس كما قبلها، الأمر الذي ينطوي على تحدي أخر لحركة فتح يفرض عليها توفير أجوبة لكل ما تضمنه هذا الجدل من تساؤلات، وما أكثر هذه التساؤلات!

وفي هذا الشأن ينبغي لفت الإنتباه أن محاور التساؤل والإستقراء التي يدور حولها الجدل الذي أعقب المعركة في أوساط حركة فتح ومناصريها ومؤيديها ومحبيها والتي يمكن ملاحظتها في كتابات أصحاب الرأي من كتابها، وفي مساهمات عناصرها على مواقع التواصل الإجتماعي، وعبر ورشات العمل وحلقات التفاكر، وعلى الرغم من أهمية ووجاهة هذه المحاور إلا أنها تتناول في مجملها الأعراض القائمة للأزمة، ولم تقترب بعد من الأسباب المنشئة لها، الأمر الذي لا يمكن إعتباره في حالة حركة فتح بأنه جدل يؤسس لحالة جديدة قد تقوم أو يجب أن تقوم، اي أنه جدل لا يمكن تصنيفه انه يرسي معالم رؤية إستراتيجية للتغيير.

وتأسيساً على ما تقدم يمكن تصنيف وترتيب التحديات التي تواجه حركة فتح في المرحلة الحالية، بأنها تحديات ذات طبيعة إستراتيجية وليست تكتيكية، وتتضمن أربعة تحديات، يدور أولها حول قدرة الحركة وأجهزتها المختلفة على إدراك هذه التحديات، وعدم إنكارها والتهرب من مواجهتها بالإختباء خلف إرث الماضي والإكتفاء بقرائتها ضمن سياق المؤامرة، ويتركز ثاني هذه التحديات في قرار الخروج على الوضع القائم وتحديد البدائل التي تضمن خروجاً أمناً للشعب من المأزق الذي يعيشه، أما ثالث هذه التحديات فيدور حول الحاجة لتغيير الصورة النمطية التي أصبحت راسخة في ذهن أبنائها ومحبيها بأنها لم تعد تمثل المشروع المناهض للمشروع الصهيوني في قلسطين، ويتركز التحدي الرابع على مدى قدرة فتح على التحول والتغيير رغم أنها بلغت من العمر عتيا، وعلى مدي قدرتها على تحديد وإختيار من هم أولئك الذين تتوفر بهم الأحقية والأهلية على تحمل مسؤولية نقل الحركة مما هي عليه الآن، لواقع يريده ويبتغيه أبنائها ومناصريها الذين أمنوا يوماً ان فتح هي الطريق الأقصر لفلسطين حرة ديمقراطية.

يقيناً هناك تحديات أخرى تواجه فتح لم تتطرق لها هذه المقالة، لكن ظني أن ما تضمنته هذه المقالة من منهجية لتشخيص التحديات يشكل أساساً لجدل ونقاش جاد يفضي لتطوير رؤية إستراتيجية حان وقتها لتجنب عواقب قد تكون وخيمة إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، لا سيما وأنه بقدر التحديات هناك فرص ونقاط قوة، منها ما هو أصيل لا زالت فتح دون غيرها من القوى والفصائل تحتكر إمتلاكه، ومنها ما كشفته وعبرت عنه الجولة الأخيرة من المواجهة.

وتتجسد أول نقاط قوة فتح في أنها لا زالت من خلال قيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني تمتلك بصفة حصرية ليس حق تمثيل الشعب الفلسطيني والتحدث باسمه وحسب، وإنما أيضاً حق المصادقة دون غيرها من الأطراف على أي خطة أو مشروع أو صفقة أو تسوية، وإلا فقدت هذه الصفقة أو الخطة شرعيتها.

وتدور ثاني هذه النقاط حول ما بحوزة منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها فتح ورقة الإعترافات الدولية المتراكمة بما في ذلك قرار ترفيع وضعها الى مرتبة دولة غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما أسس له هذا القرار من إنضمام فلسطين إلى كثير من المؤسسات الدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية، الأمر الذي يؤسس لفتح جبهات مواجهة جديدة مع دولة إسرائيل العنصرية.

ومن حيث الفرص فقد أكد التضامن الشعبي العالمي غير المسبوق الذي رافق هذه الجولة من المواجهة على عدالة القضية الفلسطينية، الأمر الذي أعاد للقضية الفلسطينية ألقها ورونقها وصعب على الحكومات الغربية الشريك الأكبر لإسرائيل في مشروعها الإستعماري لا سيما الحكومة الأمريكية الإستمرار في دعم العنصرية الإسرائيلية.

ويقف على راس قائمة الفرص التي أنتجتها المواجهة الأخيرة حالة الوحدة غير المسبوقة التي تجسدت بين قطاعات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، فضلاً عما كشفته من أصالة معدن الشباب الفلسطيني، لا سيما قطاع الفتيات، الأمر الذي اثبت بشكل قاطع أن هذا المعدن لم يتأذى طوال العقود الماضية التي أستثمر فيها كثيراً لإعادة تشكيل هذا المعدن بما يخدم مصالح الإحتلال والإستعمار.