الكاتب: رولا سلامه
قصة تعلمها الصغير قبل الكبير، تفاصيلها تحكي حكاية شعب شرد وهجر وأصبح لاجئا في بقاع الارض، يحمل مفتاح منزله هناك في يافا وحيفا وغيرهما من المدن والقرى، ويعلم تماما أنه عائد لا محال، قصة أبدع أجدادنا وجداتنا بسردها، وفي كل مرة يعيدون القصة لنحفظها ونعلم جيدا ونتعلم أن الوطن مزروع فينا مغروس بداخلنا وملتصق بارواحنا، وأننا حتما لعائدون.
تقول رفقه الكرد – ام نبيل " هجرنا من منزلنا في حيفا، وخسرنا أيضا المطعم الذي كنا نملكه والذي كنا نعتاش منه، واستقر بنا الحال في حي الشيخ جراح بعد أن قامت حكومة الاردن والاونروا " وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " ببناء المنازل لنا، نحن نعلم تماما أننا عائدون فنحن أصحاب المكان" .
هذا ما كانت تردده دائما ام نبيل لكل ما يأتي يسال عن حكايتهم، وكذلك لحفيدتها الثائرة منى الكرد والتي أصبحت أيقونة الشيخ جراح ومعها شباب وشابات من أبناء وبنات الحي ومن نشطاء القدس ومن سمع الرواية وتفاعل معها واستعد لنشرها ودعمها والحفاظ عليها.
تقول منى" صامدون لاخر نفس، فنحن استلمنا المنازل ال 28 بعد أن هجرنا من مدننا وبلداتنا في العام 48، أصبحنا لاجئين في وطننا، فنحن هنا باقون ولن نرحل، لن نترك القدس لهم."
فالقصة التي حفظناها عن ظهر قلب، تثبت أن هذه المنازل التي تعود لللاجئين الفلسطينيين، الذين هجروا من منازلهم قصرا في العام 1948وأنهم قد وعدوا، من قبل حكومة الاردن ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –الاونروا- بانهم سيستلموا عقود ملكية المنازل، بعد أن يلتزموا بدفع الايجار الشهري لمدة ثلاث سنوات، ولكن ما وعدوا به لم يحصل.
ففي العام 1967 احتلت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والشطر الشرقي من مدينة القدس وسيناء والجولان، وبذلك خرجت الاردن من المعادلة قبل أن يحصل السكان على عقود الملكية.
بدأت معاناة السكان مباشرة بعد الاحتلال، وبدأ المستوطنون بتنفيذ سياستهم بالاستيلاء على المنازل واحدا تلو الاخر، وبدأوا مع اسرة الشنطي حيث استولى المستوطنون عام 1967 عليه بدون قرار من المحكمة وقاموا بكسر باب المنزل ودخلوا اليه عنوة.
ومن ثم تكرر المشهد مع اسرة ام كامل الكرد في العام 2008 ، لينتقلوا بعدها للاستيلاء على منازل عائلتي الغاوي وحنون في العام 2009 ، فمنزل الغاوي يحوي على 7 اخوة يعيشون مع اسرهم، وكذلك منزل حنون والذي يقطن به ثلاث اخوة مع اسرهم أيضا.
وبعدها مباشرة تم الاستيلاء على نصف منزل نبيل الكرد في العام 2009 كذلك بعد أن صدر قرار باغلاق المنزل بدعوى بنائه دون ترخيص .
ففي العام 2000 قامت الاسرة ببناء غرفتين لتضيفهم للمنزل القائم أصلا، وبعد سنوات ومحاولات فاشلة للحصول على رخصة بناء، قررت الاسرة أن تخاطر وتبني لتتوسع، فما كان من القاضي، الا أن حضر للمكان وأغلق المنزل المشيد حديثا، وأخذ المفتاح، وطالب الاسرة بدفع الغرامة والتي تزيد عن مائة ألف شيكل.
وبعد حوالي تسع سنوات صدر قرار القاضي الذي يجيز للمستوطنين السكن بالمنزل، ولا يجيز لاسرة الكرد بالسكن به، وتباعا لقرار القاضي، حضرت مجموعة من المستوطنين للسكن بالمنزل الجديد وما زالوا يحتلونه.
وأيضا، لم يكتف المستوطنون بذلك، واستمرت محاولاتهم للاستيلاء على المزيد من المنازل، فالحكومة حكومة احتلال ومستوطنين، والقانون يعطيهم الحق ويحميهم، وشركات الاستيطان والجمعيات الاستيطانيه تدفع لهم وتدعمهم بالمال .
وبرغم الظلم الذي طالهم، وبرغم عمليات الترهيب التي تعرض لها سكان الحي، الا أن ارادتهم وعزيمتهم قوية لا تلين، فهم أصحاب حق ولن يتنازلوا عن حقهم مطلقا، وها هم انطلقوا في رحلة لنشر الحقيقة للعالم، وللدفاع عن منازلهم من المصادرة والاخلاء والتهجير، وها هو الشباب الثائر، شباب حي الشيخ جراح بعزيمتهم وبنشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، خلقوا حالة غير مسبوقة من التضامن العالمي، لتصدح وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بقصصهم وصور أنشطتهم وفيديوهات توثق ما يتعرضوا له يوميا من اعتداءات واعتقالات ومداهمات من جيش الاحتلال.
مراد عطية، ناشط من حي الشيخ جراح يقول" ان وسائل التواصل الاجتماعي كانت الاداة الوحيدة، والمنبر الوحيد لايصال صوتنا للعالم ولأحرار العالم، ليفهموا قضيتنا ويدعموا حقوقنا" وبامكاننا القول أن الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في نشر قضية الشيخ جراح، وسرد تاريخ الحي، وقصص أصحاب الحي، ونشر الحقائق التي يحاول الاحتلال ومستوطنيه تزويرها، هو دور أساسي ورئيسي للتوعيه، وحشد المؤيدين والمناصرين من كافة أنحاء العالم، وايصال صوت أهل الحي والأحياء الاخرى المهدده بالاخلاء، وقصص معاناتهم ليس فقط لأحرار العالم، بل للصحفيين حول العالم، ليأتوا ويوثقوا بأقلامهم وكاميراتهم لكل ما يحصل، وأيضا هي للفلسطيني داخل وخارج فلسطين، ليلتحم الجميع ويقفوا صفا واحدا، ليدافعوا عن مدينتهم وأحيائهم التي يسعى الاحتلال للاستيلاء عليها وتهويدها.
ويضيف مراد قائلا" ان وسائل التواصل الاجتماعي، ساعدتنا على ايصال برامجنا وأنشطتنا في الحي للصحافة والصحفيين ولكل العالم، فكل شخص داخل الحي أو خارجه، بامكانه أن يستخدم وسائل التواصل المختلفة ليدعمنا، ويوصل صوتنا للعالم دون عناء ودون الحاجة ليكون معنا بالحي".
أما أصاله أو حسنه- وهي من أصحاب المنازل المهددة بالاخلاء وناشطة بالحي تقول" ان دور الشباب في الحي مهم جدا وكبير جدا وفعال، فنحن استطعنا هذه المرة، أن نوصل صوتنا للعالم ونجحنا، نحن لا ننام الا ساعات الفجر، ونعمل بكل طاقاتنا لنوصل صوتنا وصورنا للعالم، ووسائل التواصل الاجتماعي هي طريقنا لنشر الحقيقة كاملة."
لم تنته قضية حي الشيخ جراح بعد، ولم يصدر القرار النهائي بعد، فهل ستنصفهم محاكم الاحتلال التي هددتهم سابقا، واستولت على بعض منازل الحي، لتقدمه هدية لمستوطنين جاءوا من أرجاء العالم ليستولوا على منازلهم، أم سينصفهم صوتهم الذي استطاعوا أن يوصلوه للعالم عبر كل الطرق، وتداعى أحرار العالم لنصرتهم، والتضامن معهم، والتظاهر لأجلهم.
ما زال المشوار طويل، والتحديات كبيرة، ولكننا على قناعة اليوم أكثر من كل يوم، أن شبابنا الثائر لن يهدأ، ولن يترك قضيته دون أن ينهض ويحملها للعالم، فكل منا أصبح سفيرا لبلاده وقضيته وحيه، وأننا أنجزنا الكثير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر صمودنا ودعمنا ووقوفنا مع أهالي الاحياء المهددة بالتهجير، ونحن على قناعة أننا في الشيخ جراح وفي سلوان واللد وحيفا ويافا سننتصر، وحدتنا التي تجسدت بأروع صورها دعما للقدس، ودعما لحي الشيخ جراح ولاحياء سلوان النازفه ، ودعما لغزة البطلة، ستستمر وتقوى لننتصر وسننتصر.
الكاتبه: الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا . والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير ، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني.