الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزة وتحولات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي

نشر بتاريخ: 30/05/2021 ( آخر تحديث: 30/05/2021 الساعة: 20:01 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب

قبل الولوج لتحليل العلاقة بين غزة والأمن القومي الإسرائيلي وأين تقع غزه من هذا الأمن إبتداء لا بد من التأكيد أن ألأربعة الحروب التي حكمت إسرائيل بغزه تؤكد لنا فرضية ان الحرب هي الأساس والقاعده في العلاقة ، وأننا قد نرى حربا خامسه وسادسه في غياب تسويه سياسيه شامله ، والفرضية الثانية أن التهدئة ليست الخيار والمقاربه التي تمنع الحرب.والفرضية الثالثه أن إسرائيل لن تسمح بتجاوز حدود القوة العسكرية للمقاومه لأن هذه القوة تشكل من منظورها تهديدا مباشر ،وهذا يقودنا للفرضية الرابعه والرئيسيه أن خطورة القوة في غزه ليس بحجمها ولا بمداها ولكنها تشكل تهديدا داخليا اى أن غزه وبحكم وقوعها في قلب الدائرة الأولى للأمن الإسرائيلي فهذا يعنى أي سلاح حتى لوكان تقليديا يشكل مصدر قلق وتهديد، وهذه الفرضية تجعل من الحرب أساس العلاقه.غزه وكل فلسطين تقع في قلب الدائرة ألأولى لأمن إسرائيل وهذا ما يفسر لنا رفض إسرائيل لقيام الدولة الفلسطينية مهما كانت الضمانات بسلميتها وديموقراطيتها ، ففكرة الدولة نقيض لأمن إسرائيل. وهذا ينطبق على منطقة القلب التي تمثلها الضفة الغربية. اما غزه ورغم صغر مساحتها التي لا تزيد عن 340 كيلو متربع مربع، وفقدان للخصائص الجيوسياسيه فهى تفتقر لمناطق القلب والعمق الإستراتيجى مما يسهل وصول القوة العسكرية لإسرائيل لأى مكان فيها وهذا ما يقف وراء حجم التدمير للبنية التحتيه فوق الأرض وتحت الأرض . وما يميز غزه محددها السكانى ، فعدد سكانها يزيد عن المليونين وتقترب من الميلونيين والنصف وهذا يعنى أنها أكبر منطقة كثافه سكانيه في العالم وهنا تكمن قوتها الحقيقية، وتستمد أهميتها لتواجد حركة حماس وسيطرتها الكامله ووجود حركات المقاومه كالجهاد وهذا الذى يجعل منها مصدر تهديد دائم لإسرائيل لتجاورز غزه منطقة سكانية في إسرائيل ما تعرف بمنطقة الغلاف , وهذا يجعل من سلاح المقاومه ذا فاعليه وتاثير وقدرته على الوصول للمناطق السكانيه.ونظرية ألأمن الإسرائيلي لا تطبق عليها المفاهيم التقليدية للأمن القومى المتمثله في البقاء وحماية مصالح الدولة ومواجهة التهديدات الخارجيه . إسرائيل وبحكم قيامها على أساس عنصر القوة وعلى حساب الفلسطينيين الذين شردوا من مدنهم وقراهم ويعيشون الآن في الشتات والمخيمات ، تعتبر التهديد صفة دائمه وملاصقه لوجودها حتى مع قيام السلام مع أي طرف، ففلسطينيا ورغم الإعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدوله وتوقيع إتفاقات أوسلو لكن بقيت الإعتبارت ألأمنية هي التي تحكم العلاقة . فالجنرال الإسرائيلي يسرائيل طالفى فى كتابه الأمن القومى قله مقابل كثره يعرفه بضمان وجود ألأمة والدفاع عن مصالحها. اما الجنرال يهو شفاط في كتابه حرب وإستراتيجيه يتبنى مفوما أكثر شموليه بقوله: الدفاع عن وجود الدولة وإستقلالها وكمالها الإقليمى والدفاع عن حياة مواطنيها وعن طبيعة نظام الحكم فيها وعن أمنها الداخلى والأمن اليومى على حدودها وعن أيدولوجيتها وعن ميزانها الديموغرافى وعن مكانتها في العالم.وأما شيمون بيريز في كتابه الشرق الأوسط يقول أن موضوع ألأمن لا يمكن إعتباره قابلا للنقاش أمام رئيس أي حكومه إسرائيليه ،إنه موضوع حياه أو موت بالنسبة لنا جميعا.وتستند إسرائيل على مبادئ ثابته لأمنها أبرزها التفوق العسكرى في الإقليم فلا تسمح لأى دوله أن تتفوق عسكريا وهذا سبب إمتلاكها لأكثر من مائة رأس نووي ومع ذلك تعتبر محاولة إيران إمتلاك هذا السلاح بمثابة تهديد مباشر، العنصر الثانى أن هناك تهديد دائم قد يكون بداية الدول العربية ،والأن مع معاهدات السلام التهديد تشكله الفواعل من غير ذات الدول وخصوصا حزب الله وحماس والجهاد والمقاومة الفلسطينية .وتتبنى مقولة نكون أو لا نكون. وعليه الأمن لدى إسرائيل ليس مسالة وجودها بل هي هي مسألة حياة أو موت مواطنيها وهذا ينطبق على حروبها مع غزه، فالمسألة ليس بعدد القتلى بل إن قتل مواطن إسرائيلى هذا بمثابة تهديد ومساس مباشر لأمنها ،وهو ما قد يدفع نحو توجيه ضربات عسكريه كثيفه لغزه وهذا ما ينبغي أن دركه .فأمن إسرائيل لا يحتمل قتل عدد كبير من مواطنيها وينطبق هذا القول أيضا على ألأسرى من جنودها حتى لو كان جنديا واحدا.وتحكم علاقتها مبادئ الضربة ألإستباقية لأى قوة تراه تزيد عن حدودها، وضمان الحدود ألأمنه. وهذان المبدأ يبرران لها الحرب في أي وقت.والجديد في علاقة غزه بنظرية ألأمن الإسرائيليه أن الحرب الأخيره كشفت كثير من نقاط الضعف، فرغم كثافة الدمار الذى الحق بغزه فأولا تطور القدرات القتاليه وقدرة الصواريخ مع عدم مقارنتها بما تملكه إسرائيل قدرتها في الوصول الى العديد من المدن وهذا يعتبر نقل المعركة إلى داخل إسرائيل، وثانيا الحاق قتلى إسرائيليا وهو لم تتعود عليه إسرائيل في حروبها، وقدرة المقاومه على إنتزاع ورقة من يوقف الحرب أولا متى وكيفما وسقوط فرضية الرردع والضربة الإستباقيه وأيضا تراجع مكانة إسرائيل دوليا وبداية الإنتقاد ولم يكفى الموقف الأمريكي بحقها في الدفاع عن نفسها فهذا المبدأ لم يعد كما كان في حروبها العربيه.. وعليه أعتقد أن هذه الحرب ستعمل على مراجعة كثير من فرضيات الأمن القومى الإسرائيلي ، وستبقى غزه تشكل أحد أهم معضلات الأمن إسرائيليا.

[email protected]