الكاتب: د. أحمد رفيق عوض
يدمرون غزة ثم يسارعون الى تعميرها ضمن اشتراطات وقيود، يدمرون عملية التسوية ثم يقترحون افكارا لانعاشها، يسعون الى تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية ثم يجتهدون لاحراجها وحشرها في الزاوية، يطالبون للشعب الفلسطيني بالكرامة والحرية ثم يتعاملون معهم كأنوية عنف وارهاب محتملة، يرفعون شعارات الديمقراطية والتعددية ثم يدعمون من يعطلها او من يفرغها من مضمونها، يخلقون المشكلة ثم يسعون الى حلها.
هؤلاء هم اعداؤنا الذين يريدون تعليمنا كل شيء، الديمقراطية والشفافية والنزاهة والحوكمة وما شئت من هذا الكلام البراق الذي ترجمته الحرفية مزيدا من التبعية والالحاق والتدمير والتأخير.
علمونا انهم سبب المشكلة ثم نطلب منهم ان يشاركوا في حلها بالمال او بالعسكر او بمجلس الأمن، كل ذلك يجري تحت اسم النظام العالمي و القانون الدولي، و لما كنا لا نستطيع أن نؤثر او نغير هذا النظام او هذا القانون ، فأننا نقع تحت اسئلة هذا النظام الظالم، إذ يطلب منا ان نشجب الإرهاب و نعترف بمجتمعنا و نشطب مناهجنا و ننظف وعينا و نكبت مشاعرنا و نحسن من لغتنا و ان نعيد رسم خرائطنا.
ألا يدعو هذا الظلم إلى الانقلاب عليه او كسره او الالتفاف عليه في أضعف الحالات ..؟
أليس من الظلم و الحمق و الصلف و الوقاحة ان من دمر غزة بالموقف و السلاح و الضغط يدعو إلى تعميرها بشرط أن يتم التفريق بين اناس و اناس، و ان تتم معرفة أوجه الصرف و الانفاق و من قبض و من صرف و من استفاد ؟!.
ألم يتعلم هؤلاء ان آلية الإعمار سنة 2014 لم تمنع فصائل المقاومة ان تطور كل شيء فوق الأرض و تحتها..؟! ألم يتعلم هؤلاء ان تفكيك الفلسطيني لا يفيد و ان تصنيفهم إلى شرعي او غير شرعي ، أو إرهابي لا يفيد على صعيد تحقيق الأمن و الأمان و الاستقرار و اذا كان هدف اعمار غزة الارضاء او الرشوة او استبدال الحل الدائم بتنمية مشروطة، و ذلك من أجل ضمان امن اسرائيل ، فإن هذا مسار خاطىء جدا ، و قد اثبتت الايام خطأه تماما، فلا يمكن الإعمار وحده ان ينهي صراعا قوميا من هذا النوع ، و قد اثبتت الايام ام تدمير عملية التسوية و اعتماد أسلوب العصا و الجزرة و الالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني من خلال تطويقه باتفاقيات التطبيع او غيرها او القبضة الأمنية او التجاهل أو التجاوز قد افضى إلى سلام و استقرار لإسرائيل، بقرة الغرب المقدسة و المدللة.
بعد 73 سنة تقريبا من قيام إسرائيل، فأن كل هذه الوسائل لم تثمر شيئا و لن تثمر بالتأكيد، ان كل ما أنفقته اسرائيل من أموال و تكديس أسلحة و قتل و تدمير لم يجعلها أكثر امانا او استقرارا، بل على العكس من ذلك تماما، فقد خلقت مجتمعا لا يستقر ولا يطمئن، يدخل معركة و يخرج من معركة ، يبحث طيلة الوقت عن سلاح فتاك يحل به مشاكله و لن يجده أبدأ.
ان تدمير غزة و من ثم اعمارها تبدو عملية إنسانية من الخارج، و لكنها تنطوي ايضا على مخاطر متعددة، فلا يجب أن يقصد بهذه العملية تفكيك الشعب الفلسطيني ولا بذر الفتنة بين مكوناته ولا تغيير أولوياته ولا الهائه بشيء يخسره ولالشراء ولاءاته ولا لمعرفة نقاط قوته.
الإعمار يبدأ في اعمار الوعي و الإرادة الإقليمية و الدولية بما يضمن منح الشعب الفلسطيني املا في الحياة و المستقبل من خلال دولة مستقلة بدون احتلال.
هذه هي كلمة السر و مفتاح الأمر كله.
مخاطر الإعمار لا تقل عن مخاطر الدمار ايضا.