الكاتب: عيسى قراقع
متى يفهم الاسرائيليون ان صوت القتيل دائما أعلى من صوت القاتل؟ كلما قتلوا أكثر زرعوا في الأرض جمرا أكثر، وكلما كثرت النعوش ازدادت أعداد البنادق.
الظلم دائما يقاتل، القهر والذل والارواح الشهيدة، فنحن نقاتل لأن بيوتنا دمرت فوق رؤوسنا، أطفالنا الرائعون ذبحوا ودفنوا تحت الأنقاض، أطفالنا في غزة كانو أروع بنك لأهداف سلاح الجو الاسرائيلي، الهمجيون اغتالوا الابتسامات والأحلام واحتفلوا بصورة النصر فوق الركام.
نحن نقاتل دفاعاً عن ذكرياتنا وهويتنا ووجودنا الأنساني المهدد بالأنسحاق والإنقراض والانصهار في أفران الموت الجماعية، نقاتل وحوشا برية وسماوية وبحرية، ترتكب كل أنواع الجريمة في قطاع غزة، نراها منفلتة في القدس وسلوان والشيخ جراح وباب العامود و بطن الهوى والعيسوية، نراها في شوارعنا وعند كل حاجز، في المدينة والقرية والمخيم، ترتكب المذابح وتشعل الحرائق.
نحن نقاتل دفاعاً عن مساجدنا وكنائسنا وصلواتنا، نتصدى لوحوش اسرائيلية تفترس وتقتل وتبتهج بالقتل، تستمتع برؤية الدم وسماع صراخ المعذبين، أصوات خشنة حولنا، أصوات انفجارات، وحوش جائعة كثيفة الشعر نراها في ليالي الاعتقال والمداهمات، سعار مخيف في كل مكان، وحوش ترقص وتنتشي وتحتفل وسط النيران الملتهبة.
اعتقد قادة اسرائيل أنهم كلما قتلوا واستباحوا حققوا نظرية الردع ودفنوا ضحايانا في الغياب والاستسلام، لم يصدقوا ان الضحايا تحرر نفسها وتعود الى الحياة أكثر بأسا ومقاومة، الجثث تقاتل، الجماجم تقاتل، الدم يقاتل، فوراء كل جثة ذاكرة، أجيال تولد في يدها حجر ومعول ورواية وراية عالية.
نقاتلكم أيها المحتلون لأننا لا نراكم سوى مسلحين، لا مظهر حضاري وإنساني يميزكم، آليون لا ترونا إلا من فوهات البنادق، تجأرون: الموت للعرب، الحرق للعرب، الخطف للعرب، لا تروننا كبشر وإنما كأهداف أو مجرد أِشياء خاوية.
نقاتلكم أيها المحتلون لأنكم حولتم أرضنا وسماءنا إلى معسكر لمنجزراتكم وطائراتكم، أطنان القنابل تدمر مساكننا ومساجدنا ومدارسنا وتحرث مزارعنا وشوارعنا وكأنكم آلهة قادمة من جهنم، شياطين تعبد النار وتقدس الأسلحة.
نقاتلكم أيها المحتلون لأن كل ابنائنا وبناتنا اصبحوا في سجونكم، ماذا تتوقعون من شعب قضى أكثر من نصف عمره في الزنازين؟ السجون تحولت الى دفيئة لغضبنا وانتفاضتنا وفوران أعمارنا المصادرة.
نقاتلكم لأننا لا نرى أحزابكم تتنافس على انهاء الصراع واحلال السلام العادل المشترك، أطلقتم الرصاص على ايدينا الممدودة للسلام، تتنافسون على إقرار قوانين عنصرية حربية عدائية لحقوق شعبنا ولمبادئ حقوق الأنسان، حق تقرير المصير لكم وحدكم، الأرض لكم ولأجدادكم ووصية سماوية، القدس لكم وحدكم، الرب لكم وحدكم، كل الشعب الفلسطيني هدفا لقذائف تشريعاتكم العنصرية.
نقاتلكم أيها المحتلون لأن العنف والفساد والجريمة اصبحت ظاهرة سياسية مجتمعية عندكم، منهجية القمع والطمس جزء من روحكم القومية المتطرفة، الثقافة والتربية والسلوك يحكمها العسكر والمستوطنون والمدرسة الدينية.
نقاتلكم أيها المحتلون لأن هذا حقنا الانساني والقانوني، ولا خير فينا اذا سمحنا لعصاباتكم ولصوصكم ان تستمر في اقتحام غرف نومنا، تدعس على رؤوسنا وسجاجيد مساجدنا وتطفئ شموع كنائسنا، تصادر أرضنا ومياهنا وذكرياتنا، هنا قطاع طرق في شوارعنا، خفافيش تنتشر في الليالي المعتمة.
نقاتلكم أيها المحتلون لأننا لا يمكن أن ننسى، كيف ننسى؟ أقمتم عالمكم فوق عالمنا، آثار نعالكم على وجوهنا، التعذيب وشد القيود، آلام الظهر والشبح والتنكيل والتعليق في غرف التحقيق، الدعس والبصق والصفع والركل والشتائم القذرة، ماذا تتوقعون من معذب مهان قوضتم حياته وامنياته القادمة؟
نقاتلكم أيها المحتلون لأن عملية السلام منذ اتفاقية اوسلو لم تشف ذكرياتنا وعقولنا، ازداد القتل والمجازر والأعدامات والاستيطان والاعتقالات، سلام أبشع من الحرب، سلام يطلق النار على حقوقنا العادلة، سلام يوزع على المجرمين القتلة النياشين والأوسمة، السلام المخادع يؤذي اكثر من الحرب المعلنة، نقاتلكم دفاعاً عن سلامنا الأنساني، سلام الحق وليس سلام القنبلة والطائرة.
نقاتلكم أيها المحتلون لأن دباباتكم في حارتنا، طائراتكم المسلحة في فضائنا، فوق سطوح منازلنا، جرافاتكم في حقولنا، تستعبدوننا من الوريد الى الوريد، اذا ما تحركنا، اذا ما شربنا، اذا ما تنفسنا، اذا ما غنينا وكتبنا، فرض علينا ان نقاتلكم لأنكم أعداء أنفسكم وأعداءنا وأعداء البشرية.
نقاتلكم بكل ما نملك وما نستطيع، بالحجارة والكاوتشوك والزجاجات، بالطائرات الورقية، بالأناشيد والكوفيات والجداريات وبالصلوات، ندافع عن انفسنا لننقذكم من عقلية الحرب والتطرف والكراهية.
نقاتلكم أيها المحتلون لأنه لم يعد هناك شيئا لنخسره، سقط السلام الموعود امام الجدران والمعازل والأقفاص التي حشرنا بداخلها في تجمعات ممزقة متنائية، لا سيادة ولا كرامة، الخبز من عندكم، الكاز والغاز والهواء والطعام والدواء والماء، نتنفس بالبرابيش التي تمدونها الى حناجرنا اذا شئتم، وتخنقوننا اذا شئتم، حياتنا تحت رحمتكم، نحن مجرد سوق لبضائعكم وشركاتكم، لا دولتين ولا دولة واحدة، لا خيار فإما الموت أو المساومة.
نقاتلكم أيها المحتلون لأن المجتمع الدولي عجز عن فرض قراراته وإرادته عليكم، أنتم فوق القانون، اعتقلتم الشرعية الدولية، نحن نقاتل باسم الضعفاء المغلوبين المقهورين في كل اصقاع الأرض، نقاتل دولة ارهاب ومافيا تنتج الموت في هذه المنطقة، لن ننتظر أحدا، ندافع عما تبقى من حياتنا اذا ما استطعنا هنا في الدنيا وهناك في الآخرة.
نقاتلكم أيها المحتلون حتى تذوقوا طعم الوجع تماما تماما، تشربون من ذات الكأس التي شربنا منها تماما تماما، ربما تدركوا معنى منع التجوال والخوف والرعب والنوم تحت اصوات الصواريخ عندما يتحول البيت الى مقبرة، ربما تدركوا قيمة الحياة وقدسيتها عندما تهب رياح المعارك، تسيرون في الجنازات الكثيرة، الاحتلال عبء على كاهلكم، الاحتلال يدفنكم، الاحتلال ينزع اخلاقكم وانسانيتكم، ربما تدركوا حينها قيمة الحياة والحرية.
أيها المحتلون:
ادخلوا المشهد الذي دخلناه، اكياس سوداء على الوجه، قيود في القدمين واليدين، فرق الموت الخاصة تقتل الشبان وسط المدينة، اعدامات ميدانية، الضغط السهل على الزناد، الضغط على القلب والروح، منظومة قمع تخلد الاحتلال، يتحرك فينا التاريخ، تهتز فينا الرعشات والكرامات، وجها لوجه مع المصير، لم يبق مساحة للحوار والمفاوضات، أسيادٌ تجزون عشب الربيع وتزرعون المستوطنات، وصلنا الى نقطة الصفر نحن على السياج، فإما ان نكون أو لا نكون.
ادخلوا المشهد الذي دخلناه، أركضوا في الشوارع، ابحثوا عن ملجأ وقنينة حليب وكهرباء، اركضوا الى ثلاجات الموتى، أخرجوا الاسماء من الاشلاء الممزقة، العائلات المبادة، ابحثوا عن الجثث في مقابر الارقام البعيدة، ابحثوا عن اسراكم في سنوات المؤبدات، ادخلوا الليل الثقيل والنعاس الثقيل، ناشدوا واستغيثوا مؤسسات حقوق الإنسان والصليب الأحمر ومجلس الأمن، ادخلوا لحظات الانتظار الطويل، ان تأتي سيارة الاسعاف أو يموت الجريح، اتنظروا هدنة تأتي ولو لدقيقة.
أيها المحتلون ادخلوا المشهد الذي دخلناه، جربوا أن تكونوا صورا على الجدران، قد تستيقظوا وتثوروا على انفسكم وأساطيركم القاتلة، تنزلون عن الحيطان تبحثون عن ظلالكم وعن اثر في التاريخ لم يذكركم، تبحثون عن وجوهكم وهيكلكم وممالككم البائدة، يوجعكم الصدى والاغتراب، حرروا التاريخ من اوهامكم الزائفة، الآن دقت ساعة الحقيقة.