الكاتب: راسم عبيدات
الإحتلال يوسع من عمليات القمع والتنكيل بحق أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 -،حيث وتيرة الإعتقالات الوحشية بحق الفتيان والشبان الفلسطينيين تتسارع،والأرقام تؤشر الى أكثر من ألفي حالة اعتقال حتى الآن،وكذلك يجري تنظيم مقاطعة منظمة من قبل حكومة الإحتلال ومؤسساتها وأذرعها وجمهورها للمحلات التجارية والمؤسسات الفلسطينية،وكذلك التضييق على العمال الفلسطينيين،حيث عمليات الفصل وتقليص ساعات العمل،للعمال الفلسطينيين متواصلة،ويضاف لذلك تنامي مظاهر العنصرية والتطرف ضد شعبنا هناك وهجمات الزعران والمتطرفين من غلاة المستوطنين عليهم،حرق بيوت ومحلات تجارية...كل ذلك يجري في إطار الإنتقام من شعبنا وأهلنا هناك على خلفية دورهم ونهوضهم الوطني في المشاركة الى جانب أبناء شعبنا على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية في الإنتفاضة الشعبية العارمة،التي انطلقت من مدينة القدس على خلفية،سعي حكومة الإحتلال وأجهزتها ومستوياتها المختلفة بالتعاون مع الجمعيات التلمودية والتوراتية والإستيطانية الى تهويد مدينة القدس وعبرنة المكان ( ساحة باب العامود) والقيام بعمليات تطهير عرقي بحق العديد من أحيائها ( الشيخ جراح وبطن الهوى) نموذجاً،وكذلك المس بمكانة المسجد الأقصى بالسعي لتغيير وضعه الديني والتاريخي والقانوني ( التقسيم المكاني والزماني)...الهبات الشعبية التي إنطلقت من القدس،كان الإعتقاد بأنها ستكون هبات محلية،تنتهي مع انتهاء المفجر،كما حدث في هبات سابقة ( البوابات الألكترونية) على بوابات الأقصى نموذجاً،ولكن هذه الهبات يبدو بأن أفاقها وتداعياتها كانت أبعد من مدينة القدس،حيث مفاعيلها وتداعياتها شملت كل مساحة فلسطين التاريخية،ولعب أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني دوراً مركزياً كبيراً فيها،لجهة إرباك جبهة الإحتلال الداخلية ،والتلاحم والمشاركة الفاعلة الى جانب أهلنا وشعبنا في كل فعالياتهم الشعبية والجماهيرية من اعتصامات ومظاهرات ومسيرات في باب العامود والأقصى وحي الشيخ جراح ،وكذلك ا ل م ق ا و م ة الفلسطينية في قطاع غزة تدخلت واتخذت قرارها التاريخي بربط وحدة المسار والمصير مع القدس،برسم معادلة القدس والأقصى يقابلها م ق ا و م ة مسلحة ..ما حصل من وحدة على طول مساحة فلسطين التاريخية، وإكتشاف المحتل بأن شعبنا الفلسطيني في الداخل -48 - والذي تعرض على مدار 73 من الإحتلال الى عمليات ممنهجة من التذويب والسعي الى دمجه في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي عبر "اعتقال" و"كي" وتزيف و"تطويع" و"صهر" وتجريف" وعي أبنائه في محاولة لشطب هويته والغاء قوميته ،وضخت المليارات من اجل تحقيق هذا الهدف والغرض،وجرى كذلك "دسترت" و"قوننت" و"شرعنة" الكثير من القوانين والمشاريع والمخططات لتحقيق ذلك على أرض الواقع،فكان قانون ما يسمى بقانون أساس القومية الصهيوني،والمستهدف شعبنا بالطرد والترحيل القسري،ومخططات التهويد والإستيلاء على الأرض ( مشروع برافر) التهويدي نموذجاً،وقانون "كامينتس" لتسريع هدم المنازل الفلسطينية، والعمل بشكل منظم على نشر العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني،في محاولة جادة لنقل الصراع الى صراع داخلي فلسطيني،ينهك المجتمع الفلسطيني داخلياً ويحفر في داخله ندب عميقة من الثارات والحروب القبلية والعشائرية والطائفية يصعب دملها،وبما يفكك بنيته ويخترق جدران تحصينه المجتمعي والوطني،وينفي عنه صفة الشعب محولاً إياه الى تجمعات سكانية وإستدخال قوميات مزيفه ومصطنعة عليه لتحقيق هذا الغرض والهدف.
الإحتلال راهن على أن ضعف الحالة الفلسطينية وإنقسامها وتشظيها،والجدران التي وضعها اوسلو وتقسيمه لأجزاء الوطن ورسمه خطوط وهمية بينها ،قدس،ضفة غربية،داخل فلسطيني- قطاع غزة،وكذلك جنوح النظام الرسمي العربي المتعفن نحو "الإندلاق" والهرولة التطبيعية مع دولة الإحتلال،وتوقيع العديد من دول هذه النظام الرسمي لما سمي بإتفاقيات " ابراهام" التطبيعية، ستمكنه من تنفيذ كل مشاريعه في تهويد وأسرلة شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 – والقدس، وبأن هذا الشعب عبر العدوان المكثف عليه،سيفقد خصائصه القومية والوطنية وسيتفكك ويندثر،وخاصة بأن عمليات تزييف الوعي بلغت درجات متقدمة،ولعل كارثة اتفاق أوسلو الإنتقالي كانت كبيرة على شعبنا واهلنا في ال 48والقدس،ونذكر بأن "جهابذة" اوسلو،في مشروعهم الكارثي،عندما تخلوا طواعية على تمثيلهم لأسرى شعبنا في القدس والداخل الفلسطيني -48- بحجة أنهم اسرائيليين ،حملة هوية وجنسية اسرائيلية قسراً، ما زال عشرات أسرى شعبنا يدفعون ثمن التخلي عنهم والتنكر لتضحياتهم ونضالاتهم سنوات من اعمارهم في سجون الإحتلال.
كان من الواضح بأن العامل الموضوعي لقيام هبات وانتفاضات شعبية فلسطينية في القدس وال 48 ناضج تماماً ،فالمحتل بكل تمظهراته العسكرية والأمنية والإقتصادية والسياسية بالتشارك مع كل بناه ومؤسساته وجمعياته التلمودية والتوراتية،وترافق ذلك مع مشاريع ومخططات تهويدية وأسرلة،وسياسات وإجراءات وممارسات يومية قمعية وتنكيلية يحق شعبنا،وتنامي مظاهر العنصرة والتطرف ضدهم،تدفع نحو قيام هبات وإنتفاضات شعبية عارمة يؤخر إندلاعها عامل ذاتي فلسطيني غير ناضج ومعيق،إرتباطاً بسلطة غائبة عن الوعي ومنفصلة عن الواقع في الضفة الغربية،راهنة نفسها لخيار التفاوض من اجل التفاوض،وكرست التنسيق الأمني مع المحتل ورافضة للتخلي عن أوسلو والتزاماته الأمنية والسياسية والإقتصادية.
إنفجرت الأوضاع من بوابة القدس ،عبرنة المكان والتطهير العرقي والمس بمكانة المسجد الأقصى، وليغطي لهيب هبات القدس وشرارة إنفجارها كل مساحة فلسطين التاريخية،وليجد المحتل نفسه أمام ما لم يتوقعه أو يتنبأ بوقوعه كل مراكز بحثه ودراساته الإستراتيجية وأجهزته الأمنية، فالشعب الذي أريد له ان يتأسرل ويهوّد ويفقد خصائص وجوده القومي والوطني،خرج من القمم ..وعبر عن تمسكه بهويته الفلسطينية وقوميته العربية،ولعب دوراً مركزياً كخزان بشري يحفر " قبر" دولة الإحتلال من داخلها ،ويسهم بمد مدينة القدس بالإمكانيات والإحتياط البشري في ديمومة واستمرار هباتهم الشعبية،في وحدة تجلت ميدانياً.
المحتل في ظل توهج لهيب الإنتفاضة الشعبية في ال 48،إضطر الى إدخال وحدات وسرايا من جيشه وحرس حدوده من أجل السيطرة على الأوضاع،ووقف مفاعيل تصاعد الإنتفاضة الشعبية هناك،معلناً بأن حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وام الفحم والنقب لا تختلف عن الضفة الغربية والقدس ،أي تطبيق الحكم العسكري عليها.
بعد توقف معركة " سيف القدس" أدرك الإحتلال وأجهزته الأمنية، بأن كل مشاريعه ومخططاته بشأن تذويب شعبنا ودمجه في المجتمع الصهيوني قد فشلت،ولذلك شن حملة عقابية شاملة عليهم،من أجل منع وثوب الحالة الوطنية الى مدايات أبعد وأوسع وأشمل،وكذلك بث الرعب والخوف في قلوبهم،والعمل على تحطيم معنوياتهم وكسر إرادتهم،وإعادتهم الى داخل القمم،فالمحتل يتخوف من دورهم في المرحلة القادمة،وخاصة بعدما قالت معركة " سيف القدس" بأن جبهة الإحتلال الداخلية غير محصنة،وبأن دولة الإحتلال لم تعد آمنه ولا جاذبة للمزيد من المستوطنين وحتى المستثمرين،والخطر الكبير سيكون فيما اذا اندلعت معركة او حرب مع ح ز ب ا ل ل ه المكون الرئيس في محور ا ل م ق ا و م ة والذي يمتلك من القدرات والإمكانيات عشرات أضعاف القطاع المحاصر والأقل قدرة إمكانيات وموارد.
فالجنوب اللبناني الأقرب الى الشمال الفلسطيني،ودخول قوات ح ز ب ا ل ل ه الى شمال فلسطين والتحامهم مع شعبنا وأهلنا هناك سيشكل خطر جدي وحقيقي على جبهة الإحتلال الداخلية.
المحتل لا بد أنه يعيد قراءته وتفكيره وتقييماته من بعد معركة " سيف القدس" وكيفية التعامل مع أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني سواء عبر سيناريوهات كيفية التخلص من هذا الخزان البشري عبر تسويات سياسية،او عبر إعادة فرض الحكم العسكري الإسرائيلي عليه.