الكاتب: محمد نعيم فرحات
عندما يكون هناك طوفان من التحليلات يقرا جوانب القصور التقني والفني أو ألاستخباري في حروب إسرائيل الغاشمة، ولا يشاء الوعي الحاكم فيها أن يراجع نفسه ولو على سبيل الحكمة والاحتياط وقوة التساؤل عن مشروعية الحرب من أصلها، وما هو دور عدوانها في إنتاج تيار مقاوم أنتج شهيدا أو أسيرا أو جريحا أو مظلوما تعاقبوا جيلا تلو جيل،واستخدموا كل طاقة كانت لهم من صبر وجلد ووعد ودعاء وصلاة وثبات وحجر وكف وعزم وما تيسر من أدوات المقاومة...
وعندما توصي كل لجان التحقيق الرسمية وغير الرسمية، التي كلفتها إسرائيل بعد كل حادثة وحرب، بما يجب فعله في الحرب القادمة تجنبا لإخفاق القوة في أداء مهامها في تحقيق الدمار الأقصى، ولا توصي بتجنب حصول حرب قادمة من باب الحكمة والحيطة والتعاطي مع أوسع الاحتمالات الممكنة...
وعندما لا يتمتع الوعي الحاكم لإسرائيل، بأي قدرة كي يستفيق من لا أخلاقية الاحتلال، ومن الجوهر المدمر للثقافة التي تحكمه، وما جرته من خراب لضحاياه، وما تجره لإسرائيل نفسها من تحديات وجودية يمكن رؤية تفاقمها بالعين المجردة يوما بعد يوم...
عندما يكون الهيكل الذهني والأخلاقي لدولة من نوع خاص واستثنائي، مخرب إلى هذا الحد.فإن سعيها للمحافظة على هيكل وجودها، يصبح تجربة في الإخفاق المتراكم ،بعد أن كان قصة نجاح سياسي مثيره، وإن قامت على أساس ظالم وغاشم وغير مشروع.
إن ضحايا الوعي الحاكم لإسرائيل كثر، غير أن المثير أن مصيرها ومستقبلها نفسها يصطف كضحية قائمة وقادمة على ذات اللائحة بصورة تدعو لمعاينة قوة الغباء وهي تطيح بمشروعها وتقوضه وترى ذلك بعينيها ولا يريد وعيها أن يتعاطى مع ما ترى عيناها وتلمسه،أما القراءات الموضوعية الشجاعة لأصوات إسرائيلية كثيرة، فقد انضمت منذ زمن بعيد لقائمة ضحايا الخراب الذهني للتيار المهيمن في إسرائيل .
في المقابل، وبينما يستخلص الفلسطينيون من أنفسهم وزمنهم ومجابهة عدوهم لحظة أخرى، ويحدثون تحولا هاما يعيد الصراع إلى أولياته، فعليهم أن يرمموا هيكلهم الذهني وما ترسب فيه من خراب بقسوة غير مسبوقة، كي لا يجري تبديد اللحظة أو إنهاكها ، وعليهم إستأصال الرواسب الكثيرة الضارة المقيمة في شتى مستويات وعيهم، وتسببت لهم بخسائر فادحة، خسائر مست صورتهم ومصالحهم وعواطفهم معا، لو كان هيكل تفكيرهم الذهني مناسبا وسليما ومسئولا لما حصلت.
***
تقول التجربة الإنسانية بأن التعاطي مع الواقع والحياة والوجود ومعطياتها وظروفها والعوامل المؤثرة في البيئة التي يتم فيها التعاطي، يتحدد بصورة حاسمة بطبيعة الوعي الذي يحمله الناس المعنيين وطريقته في التداول.
وقد كان للوعي الذي تحكم بالقوة واللحظة والظروف والمعطيات عند أطراف الصراع بشأن فلسطين وعليها الأثر الأهم في انجازاتهم في إخفاقاتهم بغض النظر عن مستوى قوتهم.ارتبط نجاح إسرائيل في عقودها الأولى بحالة وعي منجز وذكي، ويرتبط إخفاقها الحالي بحالة وعي غبي يسيطر على قوة هائلة، كما ارتبط عجز الفلسطينيين والعرب بحالة وعي عاجزة، بينما كان صعودهم المقاوم نتيجة حالة وعي من نوع أخر.
واحد من أقصى الاختبارات لقوة الوعي وتوجهاته يعيشها المتصارعون على فلسطين ومعانيها، سيفوز فيها الوعي المتفوق على شوائبه وعلى خصمه والذي يستند للحق ولن تحسمها توازنات القوى المادية.
إن قوة لا يقودها وعي حصيف سوف تتبدد ، وحق لا يسعي إليه وعي مناسب سيظل حقا كسيرا،مفارقة عاتية ومركبة يشهدها الشرق الأوسط الآن بالذخيرة التاريخية الحية ، تغري بمعاينتها عن كثب.