الكاتب: وسام زغبر
يحيي الشعب الفلسطيني «اليوم الوطني لشهيد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» في الرابع من حزيران (يونيو) من كل عام، تكريماً للشهداء الأبطال الذين ألهموا أجيالاً متعاقبة من مناضلي فلسطين، وتحولوا رموزاً مضيئة في التاريخ الفلسطيني، الذي كتبوه بالدم، وبهذه التضحيات عمدوا البرنامج الوطني الفلسطيني.
في هذا اليوم الجليل، «اليوم الوطني لشهيد الجبهة الديمقراطية»، نستعيد اللائحة الذهبية لآلاف الشهداء قادة وكوادر ومقاتلين، في القوات المسلحة الثورية، وقوات إسناد الداخل، وخلايا العمل المسلح في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وقوات النجم الأحمر، وكتائب المقاومة الوطنية (قوات الشهيد عمر القاسم) الذين احتلوا، بجدارة موصوفة، موقعهم المتقدم والمميز في الدفاع عن شعبهم، وقدموا حياتهم ودماءهم تحت راية فلسطين وراية الجبهة، وراية تشكيلاتها العسكرية ومنظماتها الجماهيرية داخل فلسطين وعلى حدودها، من الأردن، والجولان، وجنوب لبنان، وفي الدفاع عن الثورة ومنظمة التحرير ومخيمات اللاجئين، وفي ملحمة بيروت الكبرى (عام 1982) والانتفاضة الوطنية الكبرى، الأولى والثانية ومعركة «سيف القدس» وفي كافة المعارك الوطنية، بما يصون مصالح شعبنا وحقوقه، ويصون موقع الجبهة المتقدم دوماً، في الصف الوطني، تحت راية م.ت.ف ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا البطل، وبرنامجها الوطني، الذي كان وسيبقى للجبهة شرف تقديمه إلى شعبنا وقواه السياسية معمداً بدم الأبطال، شهداء العمليات البطولية التي سجلها التاريخ في سجل البطولات، بكل كلمات الفخر والاعتزاز والإجلال.
حزيران الشهداء يحمل معانٍ ودورسٍ كبرى، وكل ما يميزه هذا العام، هو الانتصار الذي حققه شعبنا الفلسطيني على «لصوص الأسوار»، في معركة «سيف القدس» التي سوّرت «أسوار القدس» بالثوابت والحقوق الوطنية، وشيّدت استراتيجية نضالية توحد شعبنا في كل مكان و بأشكال نضالية تتناسب مع ظروف ومكان كل تجمع على حدا، جمعت بين الحجر والسكين والقذيفة والصاروخ، بين الاحتجاجات والتحركات الجماهيرية، أعادت فلسطين القضية لمكانها الصحيح باعتبارها قضية تحرر وطني لشعب يناضل لكنس الاحتلال وإنجاز حقوقه الوطنية في الحرية والعودة والاستقلال.
وفي معركة الانتصار على «غاصبي الأسوار»، أستشهد من أجل فلسطين أكثر من 250 فلسطينياً واستهدفت طائرات الاحتلال منازل المدنيين الآمنين والمؤسسات الصحية والمنشآت الحكومية والخاصة والمصانع والبنى التحتية، بعدما فشلت في الوصول إلى عقر دار المقاومة وإيقاف إطلاق الصواريخ نحو المستوطنات والبلدات والمدن الإسرائيلية. هؤلاء الشهداء التحقوا بشهداء شعبنا وثورتنا الفلسطينية المعاصرة وشهداء الجبهة الديمقراطية في قيادات الأقاليم والمنظمات الحزبية والديمقراطية ونخص القادة الأبطال، شهداء المكتب السياسي واللجنة المركزية، الذين استشهدوا في ميادين النضال المختلفة في الضفة الفلسطينية وفي القلب منها القدس العاصمة، وفي قطاع غزة، وفي سجون الاحتلال وعلى الحدود وفي مقابر الأرقام وثلاجات الموتى، وفي مخيمات اللجوء والشتات وأماكن الاغتراب.
نتذكر من الشهداء، الشهيد الأسير عمر القاسم «مانديلا فلسطين» شهيد القدس، قاهر السجن والسجّان، والشهيد العقيد خالد نزال، والشهيد بهيج المجذوب، والشهيد اللواء خالد عبد الرحيم، والشهيد هشام أبو غوش، والشهيدة نهاية محمد، والشهيد عبد الغني هللو، والشهيد الحاج سامي أبو غوش، والشهيد عبد الكريم قيس، والشهيد ناجي الحاج، والشهيد طه نصار الوراسنة، والشهيد مشهور العاروري، والشهيد أنيس دولة، والشهيد هاني العقاد، والشهيد إبراهيم أبو علبة، والشهيد يوسف الوصيفي، والشهيد هشام أبو جاموس والشهيد أمين أبو حطب، والقائمة تطول لشهداء عاشوا من أجل فلسطين، وأبدعوا بعطاءهم النضالي وتضحياتهم لفلسطين الوطن بلا حدود، وأمسوا رموزاً يعتز بها كل الشعب الفلسطيني وليس مناضلي الجبهة الديمقراطية وحدهم.
إنه الرابع من حزيران (يونيو)، يوم شهيد الجبهة الديمقراطية، الذي يأتي في ظروف سياسية صعبة في تاريخ القضية والنضال الوطني الفلسطيني، بعد (73) عاماً من نكبة آيار 1948، و(54) عاماً من هزيمة نكسة حزيران 1967، و(14) عاماً من الانقسام الأسود، إلا أن انتصار المقاومة في معركة «سيف القدس» جعلت من فلسطين وقضيتها أحرجت الكيان الإسرائيلي ووضعت نتنياهو في موقع خارج رئاسة حكومة الاحتلال، ووضعت القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي، بعد أن غيبها اتفاق أوسلو البائس وسنوات الضياع من عمر الانقسام.
ما أحوجنا إلى الوحدة الوطنية، ما أحوجنا إلى استنهاض عناصر القوة في صفوف شعبنا وقواه السياسية، من خلال تصعيد المقاومة الشعبية بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة عملاً بمخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، واستعادة وحدة شعبنا في ظل قيادة م.ت.ف الائتلافية، ببرنامجها الوطني الكفاحي، برنامج العودة وتقرير المصير والاستقلال كما نص عليه البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي)، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
ما أحوجنا إلى الإسراع في الخروج من اتفاق أوسلو البائس من خلال استراتيجية وطنية بديلة، تتضمن سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف كل أشكال التنسيق الأمني معها ومع الولايات المتحدة الأميركية، ومقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي، وإطلاق سراح المقاومة الشعبية الشاملة بتوفير الغطاء السياسي الوطني لها، وتدويل القضية والحقوق الوطنية في المحافل الدولية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة وبموجب قراراتها ذات الصلة، وبإشراف مباشر من مجلس الأمن وبسقف زمني محدد، وبقرارات ملزمة تكفل لشعبنا حقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة.
ما أحوجنا إلى الوحدة الوطنية التي جسدها الشهيد عمر القاسم في بناء اللبنة الأولى للحركة الوطنية الأسيرة، ونشر الأفكار والثقافة الوحدوية والنضالية في داخل المعتقلات الإسرائيلية، كما جسدتها إضرابات الأسرى المتوالية وحققت انتصاراً بطولياً في زمن لم تجن المفاوضات العقيمة ومعارك الانقسام والصراع على السلطة والنفوذ سوى الهزائم والكوارث لشعبنا.
ما أحوجنا لقادة ومناضلين أمثال سيد الشهداء، قاسم فقراء والكادحين، صانع الحركة الوطنية الأسيرة، الشهيد الأسير عمر القاسم شهيد «الإهمال الطبي» الذي تتزامن ذكرى استشهاده قبل اثنين وثلاثين عاماً بـ«يوم شهيد الجبهة الديمقراطية»، ويتذكره الأسرى في كل يوم عاشوا مع رفيق دربهم، يتجرعون مرارة السجن، ويتحدون أساليب السجان القمعية بخوضهم الإضرابات المتتالية ضد القوانين العنصرية وإجراءات حكومات الاحتلال الإسرائيلية المتعاقبة.
«الذين يتآمرون علينا مؤامراتهم ستُرد عليهم ولن تزيدنا إلا ثباتاً وصموداً وتشبثاً بمواقفنا وحقوقنا، والتي لا تباع ولا تشترى بالمال».. «نحن الثابتون في هذه الأرض، المتجذرون في الماضي السحيق لوطننا، وفي أمسه القريب، وفي غده المشرق، وهم العابرون، مهما حاولوا أن يبتدعوا الأكاذيب والأساطير، أكثر من فاصلة في تاريخ هذه الأرض».
* كاتب صحفي/ قطاع غزة