الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

سقط "ملك تل أبيب"!

نشر بتاريخ: 08/06/2021 ( آخر تحديث: 08/06/2021 الساعة: 09:15 )

الكاتب: د. رمزي عودة




عندما هزم ترامب في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر الماضي، كتبت مقالةً في صحيفة الحياة الجديدة متنبئأً بهزيمة نتنياهو. إعتبرت هذه المقالة، التي حملت عنوان " نتنياهو فقد عصاه السحرية" بأن فرص إستمرار حكم نتنياهو ستصبح ضئيلةً بعد هزيمة حليفه ترامب ومقدم صفقة القرن له. وبالفعل، فإن إنتخابات الكنيست الرابعة والعشرين التي حدثت في آذار الماضي لم تحسم معركة تشكيل الحكومة في إسرائيل، بالرغم من أن حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو حصل على الحصة الأكبر من مقاعد الكنيست (30 مقعد)، وكسائر الانتخابات التشريعية الثلاثة التي سبقت هذه الانتخابات لم تنجح بفرز حكومة ذات ثقة برلمانية مستقرة.
وحينما فشل نتنياهو في تشكيل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية، أبلغ يائير لبيد زعيم حزب "يش عتيد" "هنالك مستقبل" الموكل بتشكيل الحكومة الرئيس الاسرائيلي إسحق هيرتسوغ بنجاحه في تشكيل "حكومة التغيير"، وهي حكومة إئتلافية تضم ثمانية أحزاب تحظى بأغلبية 61 مقعداً في الكنيست، وتضم الى جانب حزب "هنالك مستقبل"، "يمينا" برئاسة بينيت، و"أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر، وحزب "العمل" برئاسة ميراف ميخائيلي، و"أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، وحزب "ميرتس"، برئاسة نيتسان هوروفيتس، والقائمة العربية الموحدة (الاسلامية الجنوبية) برئاسة منصور عباس.
وحسب المحلل السياسي تسفي برئيل فإن "الحكومة الاسرائيلية على وشك التشكيل هي حكومة غير منسجمة بتاتاً، فهي تضم حزبين يساريين وحزبين وسطيان وثلاثة أحزاب يمينية وحزب عربي. ويعتقد برئيل، وهو محق بذلك، أن هذا الائتلاف ولد من المستحيل، وذلك "فقط بسبب القاسم المشترك الوحيد بين مكوناتها ومركباتها، وهو الإطاحة بنتنياهو الذي حكم اسرائيل منذ اكثر من 12 عام، حيث تحالف الكثيرين من المعارضين لنتنياهو"
لقد نجح لبيد بالاتفاق مع معارضيه بتشكيل حكومة التغيير تحت شعار " إسقاط نتنياهو"، ومن خلال إتفاق تقاسم السلطة بينه وبين المتطرف نفتالي بينيت، والاتفاق على تقديم موازنات مرضية للمناطق العربية وادخال بعضها في التنظيم الحضري، حظي بتأييد الاسلامي البراغماتي منصور عباس. وفي المحصلة، فان هذه التركيبة الحزبية غير المتجانسة أسقطت نتنياهو، والذي وصفها الأخير بإحتيال القرن، وبأنها حكومة يسار وخطرة على دولة إسرائيل وعلى شعبها.
سأل أحد الصحفيين نتنياهو، وهو يدخل الى مكتبه الحكومي؛ هل فعلا سيحمل حقائبه من مكتبه، فأجاب الاخير بحسرة؛ هل هذا أمنية أم سؤال؟. وبالفعل، لا أحد يصدق أن نتنياهو سيرحل بسهولة، وربما يتكرر مشهد ترامب في رحيله عن البيت الأبيض، وسيحاول نتنياهو أن يؤثر على أعضاء الكنيست لكي لا يمنحوا الثقة لحكومة لبيد-بينيت. وربما يشهد الكيان الاسرائيلي حالة من عدم الاستقرار من خلال مظاهرات لمؤيدي نتنياهو في الساحات العامة وأمام مقرات الحكم. ولكن من المستبعد أن تؤدي هذه الاحتجاجات الى تغيير المشهد السياسي، وخاصةً بعد الزيارة الأخيرة لغانتس وزير الدفاع المعارض الشديد لنتنياهو الى الولايات المتحدة الامريكية، والتي يشاع بأنها تضمنت طلب أمريكي بعدم القيام بمغامرة إسرائيلية ضد إيران، وفي الواقع، فان المتتبع لتصريحات غانتس بأن الزيارة تضمنت الحديث عن السلام والاستقرار السياسي وتبادل الاسرى، يدرك بأنها تأتي في سياق تجاوز الإدارة الأمريكية الديمقراطية لمرحلة نتنياهو.
بالمحصلة، لا أختلف مع تحليل الكثير من المراقبين بأن حكومة لبيد- بينيت هي حكومة هشة وغير متجانسة، وأنها لن تقدم الكثير للشعب الفلسطيني لاسيما أنها تضم أحزاباً يمينية متطرفة ترفض إقامة الدولة الفلسطينية؛ مثل أحزاب "يمينا"و"أمل جديد" و"اسرائيل بيتنا". ومع هذا، فإنني أعتقد أن عمر هذه الحكومة سيستمر على الأقل لعام آخر، وذلك لسببين مهمين، الأول أنها حكومة تهدف الى إسقاط نتنياهو وإيداعه في السجن بسبب ملفات الفساد التي تلاحقه منذ أكثر من سنتين، وكلما نجحت هذه الحكومة بالصمود أكثر فانها تستطيع انجاز هذه المهمة. ولربما ينفك الائتلاف الحكومي بعدما يتم التأكد من أن نتنياهو لن يعود مجدداً الى العمل السياسي. أما السبب الثاني، فهو يكمن في عدم تجانس الحكومة الذي يقضي في عدم التعامل الحكومي مع الملفات الحساسة مثل الدخول في مغامرات عسكرية أو تغيير قانون القومية اليهودي أو تحقيق تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وبالضرورة اذا إبتعدت هذه الحكومة عن التعرض لمثل هذه الملفات وهو الأمر المتوقع، فان الحكومة ستستمر ريثما تنجز هدفها في إقصاء نتنياهو عن المشهد السياسي في إسرائيل. وفي الوقت الذي يقتنع به الليكود بأنه قد تم تنحيته الى جانب المعارضة السياسية، فإن مزيداً من الانشقاقات ستحدث بين صفوفه، ولن يكون من الصعب على قيادة الليكود أن توازن بين خيار تنحية "ملك تل أبيب" كما يحلو لنتنياهو وصفه به، وبين خيار فقدان أنصار الليكود الكثر في هذه المدينة.