الكاتب: فراس ياغي
مرة أخرى يتم إستنساخ التجارب القديمة ولكن هذه المرة بطريقة القصور السياسي، فالقياس على الماضي يشوبه فكر القصور وفكر التمني، البعض لا يرى شعبه ولا يرى حقيقة المتغيرات على الأرض وفي الإقليم والمجتمع الدولي إلى حد ما، ويطرح الأمور بمنظار أمنيات أكثر من كونها واقع، بل يحاول جر الغالبية لمربعه الذي ثبت وعبر عقدين ونيف أن لا جدوى من الإستمرار فيه ولا جدوى من البقاء بين جدرانه ولا جدوى من شروط رباعية لا دور لها ولا تحاكي حقيقة المعطيات الجديدة التي فرضتها الأحداث الأخيرة وشملت الشعب الفلسطيني في مختلف الجغرافيا إضافة للتضامن الشعبي العربي والدولي واسع النطاق، وللحقيقة نقول بأن المعطيات الجديدة تستدعي من الكل الفلسطيني أن يصل لخواتيم واضحة وعملية أساسها إنهاء الإنقسام والشراكة الوطنية ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية وعلى أساس وثيقة الوفاق والإتفاق المستندة لوثيقة الأسرى، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود الإعمار في غزة وتنهي الإنقسام بشكل فعلي وتحضر لإنتخابات عامة تشريعية ورئاسية ومجلس وطني حيثما أمكن، ووفقا للمعطيات فإن مجال المناورة المرتبط بمصالح بعض القيادات الشرائحية محدود جدا لأن المطلوب دوليا وإقليميا هذه المرة هو المصالحة والإتفاق حتى يتم التوصل لتهدئة مستدامة تسمح بالإعمار وبالإنتخابات ولاحقا وبعد تشكل المشهد الإسرائيلي والتخلص من "نتنياهو" تسمح بعودة المفاوضات، وهذا سيأخذ وقتا لأن حكومة "بينت-لابيد" بتشكيلتها الحالية لن تكون مؤهلة لذلك.
هنا أشير إلى أن الحوار الوطني القادم في "القاهرة" لا بدّ أن يؤسس لمرحلة جديدة تعكس حقيقة الواقع الجديد وتعمل على لم الشمل الفلسطيني وفق رؤيا وطنية أساسها مقاومة الإحتلال ورفض الصيغ التفاوضية التي لم تُنتج سوى تنسيق أمني إعتمدت عليه دولة الإحتلال وإعتقدت أنها ومن خلاله قادرة على محاصرة الشعب الفلسطيني وتجميده ووضعه في بوتقة ما يسمى "السلام الإقتصادي"، لكن الواقع أثبت للكل أن جوهر القضية الفلسطينية هو الحرية والإستقلال، هي القدس والمقدسات، هي الأبارتهايد الذي يمارس ضد الفلسطيني في الداخل وفي القدس والضفة، هو حصار غزة المستمر منذ أكثر من عقد ونصف، المسألة إذا جوهرها الإحتلال لا غيره، وعلى الإحتلال ببساطة أن يرحل، ولكي يرحل فلا بدّ أن يكون ثمن بقاءه محتلا أكبر بكثير من الإحتلال نفسه.
إنّ النظر وعن بعد لسياق التحرك الذي تقوم به جمهورية مصر العربية، يُشير لتوجه إقليمي ودولي لوضع أسس متينة تُفضي لنفي واقع التشرذم الفلسطيني لصالح مبدأ الوحدة والشراكة، وما يجري في الداخل الإسرائيلي من ظهور "حكومة التغيير"، تغيير "نتنياهو" ليس بعيدا عن ذلك، وما حدث من هبة فلسطينية سلمية في القدس والداخل والشتات والفعل المقاوم من غزة، وهذا التضامن الكبير من الشعوب العربية وشعوب العالم تم قرائته جيدا من قبل صانعي القرار الدولي والإقليمي، وأدى لمخرجات تقوم "القاهرة" وعبر جولاتها المكوكية وإحتضانها للحوار بتثبيته وبما يخدم العودة لبناء مستقبل جديد أساسه العمل لإنهاء الإحتلال وربط الجغرافيا الفلسطينية بإعتبار أن غزة والضفة والقدس هي وحدة جغرافية واحدة لها نظام سياسي واحد وقانون واحد ومنظمة تحرير جامعة للكل وتُمثل جميع مكونات الشعب الفلسطيني وفصاءله الوطنية والإسلامية وعلى اساس برنامج مستند لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال ووفقا للقانون الدولي الذي يُجيز ذلك.
لذلك لا يوجد مُتسع لترف الحوار، ولا مُتسع لتجريب المُجرّب، ولا مُتسع للهروب لصالح بقاء الإنقسام وتحت مسميات الشروط الدولية، فالمشروع الفلسطيني المستند لفكر الحرية والإستقلال وإنهاء الإحتلال موضوعيا فرض نفسه وبقوة المشروعية الوطنية الجماهيرية وأنهى كلّ الأفكار الأخرى، فلا مفاوضات بدون فعل جماهيري على الأرض وقوة مقاومة تسندها، ولا حلول تحت مسميات الإزدهار الإقتصادي، ولا إمارات سبعة في الضفة وكيان غزاوي، مشاريع كلها إنتهت بفعل المقاومة والهبة الشعبية الفلسطينية، وأوجدت عنوان واحد لا غير، إما دولتين في فلسطين وفقا لرؤيا الشرعية الدولية، وإما المستقبل لدولة فلسطينية واحدة لجميع مواطنيها، ومن يحاول أن يطرح مفاهيم تجاوزتها الجماهير الفلسطينية فهو يحكم على نفسه بالضياع وبالإنتهاء، ومن يدفع نحو المصلحة الوطنية ويؤسس لشراكة وطنية ستحمله الجماهير على أكفّها.
في القاهرة سيكون هناك إما حسن الختام، أو اللعنات الفرعونية التي ستطارد كل من يحاول وضع العصي في الدواليب، لعنات ستقضي على المُعطّل، فالشعب الفلسطيني أعلن وبوضوح أين خياراته ووضع ثقته في مقاومة الإحتلال، ومن لا يرى غير ذلك، فليسأل أيقونات قلسطين في القدس وغزة والضفة، الشباب والفتيات الذين خاضوا ولا زالوا يخضون المقاومة الرافضة للإحتلال والتطهير العرقي. إنها الفرصة الأخيرة لدى من لا يزال لا يرى غير جزء من قوانين الشرعية الدولية في حين الشرعية الدولية تُجيز مقاومة الإحتلال وبكل الطرق، ولكي لا يتم تجزيء هذه الشرعية بإسم موازين القوى، فلا بدّ من العودة للفعل الجماهيري لفرض موازين جديدة وهذا ما حدث في الهبة الفلسطينية الشاملة التي كسرت كلّ تابوهات الفكر التفاوضي المحض، ونظرية لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات، فالمفاوضات بلا أرجل تسندها فعليا على الأرض "فعل المقاومة" هي طحن للماء.