الكاتب: عوني المشني
ما بين اجتماعات في القاهرة قبل اشهر واجتماعاتها الان جرت مياه كثيرة في النهر ، صواريخ وشهداء وانتخابات مغدورة ، ما بينهما قدس تصعد بكفاحها وشعب يتوحد بكفاحه ، لذلك سيكون لاجتماعات القاهرة الاسبوع المقبل طعم مختلف ونتائج مختلفة .
اجتماعات القاهرة قبل اشهر وضعت الامور في سياق اختارته فتح ، ثم تراجعت عنه ، سياق الانتخابات كمدخل واعادة ترتيب منظمة التحرير بدخول حماس والجهاد لها كنتيجة ، والرئاسة غير خاضعة للتنافس ، ولكن منافس مشاكس يمتلك رصيد جماهيري جمعه عبر سني عمره النضالية كمروان البرغوثي ادخل الرئاسة للتنافس جعل فتح تتراجع وتغلق ملف الانتخابات فقضي على الانفاق قبل ان يبدأ .
وهنا وان اغلقت الابواب امام حماس لدخول النظام السياسي ، فان القدس التي وفرت لفتح الفرصة لاغلاق باب الانتخابات قد وفرت لحماس ذات الفرصة لفتح باب اكثر اتساعا وعرضا ، القدس وفرت لحماس فرصة الحرب المؤلمة لتعود من جديد الى القاهرة ، ولكن هذه المرة فانها تستند الى موازين مختلفة تؤهلها لتبدأ من حيث كانت خاتمة مفاوضات القاهرة السابقة ، البداية في مفاوضات القاهرة هي منظمة التحرير ودون اشتراطات لجعل الرئاسة خارجة عن التنافس ، قد تلتزم حماس بعدم دخولها منافسة الرئاسة هذه المرة ايضا ، لسبب بسيط ان النظام الدولي الذي تسعى لاقتحامها لا تقبلها من هذا الموقع ، ولكنها لا تقبل ان تقترن تلك الانتخابات بعدم وجود منافس اخر من اي جهة كانت غيرها .
واذا ما تسلحت حماس بقول ميكافيلي " يمحوا النصر آثار اكثر الاشياء فشلا بينما تجهض الهزيمة اكثر الخطط تنظيما " فانها تستطيع ان تعيد ترتيب الامور بطريقة تجعل من سيطرتها على غزة ضرورة وطنية بل واكثر من ذلك مطلب وطني فلسطيني ، فكيف لسلطة فلسطينية ان تطالب اليوم بسحب سلاح حماس الذي انتصر للقدس وغير في قواعد الاشتباك ؟!!!!
مفاوضات القاهرة وبغض النظر عن نتائجها والتي بكل السبل لن تكون فشلا مباشرا حيث لن يسمح الوسيط بثقله لهذا الفشل ان يحصل واذا ما حصل ان يسمح له ان يعلن .
هذه المرة لن تسمح حماس بان لا تترجم ما حققته من زخم وانتصار معنوي ، ستحاول ترجمته بثقلها القادم في منظمة التحرير ، ولكن على رأي توماس جفرسون " النصر والهزيمة النصر والهزيمة بملفات نفس الثمن " فان حماس ستدفع ثمن نصرها ، ستدفعه بتخفيض سقف خطابها وصولا لمقولات الحلول الكلاسيكية المطروحة ، وحتى في موضوع سلاحها وان كان من المستبعد طرح اشتراطات على امتلاكه فستكون هناك اشتراطات على قرار استخدامه .
وان لدى من النظرة الاولية للصورة ان فتح ستكون خاسرة فهذا سيكون مضللا الى حد ما . سيكتسب برنامج فتح بهذه الصيغة قوة وزخما باقتراب حماس منه ، حتى وان اصبحت شريكا اساسيا فهذا لا يشكل خسارة لفتح ما دام البرنامج في جوهره في هو برنامجها ، ووفق هذه المعادلة تستطيع كل من فتح وحماس ان تدعيا انهما حققا اهدافهما .
ولكن ليست اهداف فتح وحماس هي ما يضبط سير حوارات القاهرة فقط ، فالولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ومحاور الاقليم كلها اطراف حاضرة ، وتتقاطع المصالح احيانا بقدر ما تتناقض ، مهمة الوسيط المصري ايجاد صيغة تحقق مصالح الجميع ، المسألة معقدة الى حد بعيد ، لكن عندما يفشل الحسم العسكري فان ايجاد صيغ سياسية يصبح امرا ملحا وضروريا ، ان وقف اطلاق النار اذا ما تحول بفعل فكرة الردع المتبادل الى صيغة شبه دائمة اصبح فكرة معقولة تناسب مختلف الاطراف ، فتلك التجربة نجحت الى حد كبير مع حزب الله في لبنان ، وان كان هذا الامر ليس في صلب حوار الفصائل في القاهرة الا انه سبب ونتيجة في ذات الوقت لها .
الطرف الغائب الغائب في اجتماعات القاهرة هو الشعب الفلسطيني بقطاعاته العريضة ، هذا الشعب الذي لا يجد في اعادة المحاصصة سواء في السلطة او منظمة التحرير سوى محاولة للالتفاف على رغبته وطموحاته ، الشعب الفلسطيني يريد منظمة التحرير الديمقراطية الجامعة للكل الفلسطيني والتي تحمل مشروع الاستقلال والحرية ، ويريد سلطة وطنية ديمقراطية وموحدة وخالية من الفساد وقادرة على ادارة شئون الفلسطينيين في الضفة والقطاع . ويريد فصائل وطنية منسجمة ونقود النضال الوطني التحرري . هي مطالب حقيقية ومحقة ، ولكنها في ظل معطيات الواقع وسقف حوارات القاهرة تكاد تكون خيالية . والاهم ليست في حسابات المتحاورين . هناك طريق قد تبدوا متعرجة لاعادة صياغة المطلوب جماهيريا وتحويله الى لغة سياسية قادرة على اقتحام العقل السياسي للنخب الفلسطينية المتنفذة ، ولكن الطريق الاقصر هي برغماتية اكثر في الخطاب الجماهيري وتحقيق انجازات صغيرة للبناء عليها .