الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
قلت في مرة ماضية إن مطابع جوازات السفر يجب أن تكون في جنين . هناك في جنين يتقرر منح الجنسية الفلسطينية . جنسية الثورة والعز والشرف والروح القتالية التي لا تجدها إلا في قلوب محاربي إسبارطة .
وتعرف قوات الاحتلال أنها تعرضت لهزيمة مخزية أمام المقاومة في غزة . وتحاول التعويض من خلال الاعتداء على المدنيين في القدس وداخل الخط الأخضر وفي مدن الضفة الغربية .
ولكن في جنين الوضع يختلف . جنين التي وصفها ياسر عرفات عام 2002 أنها جنين غراد \ ووصفها تلفزيون إسرائيل في الانتفاضة الثانية بمدينة الاستشهاديين \ ووصفها اسحق رابين هي وقباطيا في العام 1988 أنها بلد الفهد الأسود .
في جنين ليس كما في غيرها .. فهناك يرد على الرصاص بالرصاص ويرد على القوة بالقوة . وفي كل مرة يدخل شراذم المستعربين ، يدخلونها متخفين بلباس النساء ، ولا يخرجون منها إلا بعملية إنقاذ عسكرية .
سقط الشهداء في جنين ، وتركوا قصة تروى للأجيال . وفتحوا نافذة أمنية خطيرة لن تقدر إسرائيل على إغلاقها لسنوات عديدة .
وكما فشلت إسرائيل استخباريا في فهم معادلة المقاومة في غزة . تفشل اليوم في فهم الضفة الغربية تماما . فالضفة ليست الخاصرة الرخوة التي يمكن لإسرائيل الاعتداء عليها وقتما تشاء وإنما هي الوزن الثقيل جغرافيا وديموغرافيا وأمنيا وسياسيا .
ربما تعتقد استخبارات الاحتلال أن الضفة في حالة خمول . وقد تكون في حالة ركود . ولكنها ليست في حالة ضياع .
الشهيد محمود صلاح من بلدة الخضر كان ضابطا في الاستخبارات الفلسطينية . وحين اقتحم الاحتلال بيت جالا حمل سلاحه وقفز إلى خطوط النار . وكان مطاردا للمخابرات الإسرائيلية ينفذ العمليات حتى جن جنونهم .
في أخر مرة التقيته عند اجتياح بيت لحم . وكان يسير بكل ثقة وهدوء وسط الدبابات الإسرائيلية وكان متخفيا . قلت له بقلق شديد ( الجيش في كل مكان ) همس لي وهو يبتسم ( وهل هؤلاء يخيفونني ) .وحين استشهد مع رفيق دربه عنان جواريش كان يطلق النار ولم يترك سلاحه أبدا .