السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أضع قلبي قرب قلوبكم

نشر بتاريخ: 10/06/2021 ( آخر تحديث: 10/06/2021 الساعة: 19:31 )

الكاتب: اللواء د.محمد المصري

يسقط الشهداء تباعاً في فلسطين، شهداء في كل زاوية، شهداء في كل شارع، شهداء في الليل وفي النهار، هذه أرض الشهداء لأنهاء أرض حق وعدل، لا تقبل الظلم ولا تنام على ضيم.

منذ مئة عام وهذه الأرض، وهذا الشعب، يقدم بسخاء وكرم عجيبين، لا لشيء إلا لأنه يحب الحرية والكرامة على أي شيء آخر، لا يملك هذا الشعب سوى دمه ليكتب حكايته وليؤكد حقه، وليثبت وجوده.

سقط شهداء فلسطين برصاص الانجليز ورصاص الاحتلال ورصاص الاخوة الاشقاء ايضاً، لا تقتلنا القابلة فقط، للأسف، شديد الأسف والحزن والألم.

استيقظت هذا الصباح الدامي لأجد امامي خبر استشهاد منتسبي جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، الذين هبوا للدفاع عن مواطنين فلسطينيين مستهدفين من قبل الاحتلال، كان خبراً صاعقاً وخسارة فادحة، شعرت وكأن قطعة انتزعت من جسدي، هؤلاء أبنائي وأخواني وزملائي، وهو حادث أليم يطرح أسئلة ضرورية حول العلاقة مع المحتل وطبيعته وآلياته ومآلاته أيضاً.

دخلت في متاهة حزن كبيرة، وزادني حزنا على حزن، ان هذا اليوم أيضا هو ذكرى استشهاد شقيقي عيد أبو لؤي وابنه إبراهيم وكذلك ابن اخي فرج، الذين سقطوا جميعا برصاص الاشقاء والاخوة في غزة أيام الانقلاب الذي لا يقل ألماً عن طعنة في الخاصرة. ثلاثة شهداء سقطوا في جنين هذا اليوم، في ذات اليوم الذي سقط فيه ثلاثة من اهلي وعائلتي، أي يوم حزين هذا؟! أي مشاعر تأخذ القلب وترميه في اتون من اللهب وسحب الغبار؟!

أتذكر الآن وجوههم الرائعة، أتذكر اخي وابنه اللذان كانا من أروع الناس وأجمل الناس وأعذب الناس، أتذكر ابن اخي فرج الذي كان دائما الى جانبي بهمة عالية وحضوره الجميل.

لم يذهب الحزن من قلبي، وكأنه حجر من صوان لا يذوب ولا يبلى على الاطلاق. وقعت الحادثة قبل أربعة عشر عاماً ولكن الحزن ما يزال كما هو، خارقا وكاويا. قلت لنفسي فما بال أمهات الشهداء الذين سقطوا خلال العدوان الأخير على غزة، وأهالي الشهداء الذين سقطوا خلال هبة القدس الأخيرة. تذكرت أهالي الشهداء جميعا في فلسطين، فهل حقاً أنهم نسوا او تخلوا عن وجوه أحبائهم؟! هل بإمكانهم ان ينزعوا من صدورهم وقلوبهم صدى ضحكات من ذهبوا؟! هل يستطيعون ان يمارسوا حياتهم بعد فقدانهم لأحبائهم الرائعين؟!

الشهيد لا يذهب وحده، انه يأخذ معه كل شيء، ويغير طعم الحياة ومذاق الأيام. ما يزال وجه اخي أبو لؤي يرافقني حيث اذهب، اتذكره في كثير من تفاصيل يومي، وفي بعض الأحيان يزورني في الليل، يسامرني ويشرب قهوته ويمضي، اشعر في بعض الأحيان انه اخذ قطعة من قلبي معه الى حيث هو عند ربه.

هكذا هم أهالي الشهداء، هذا ما اراه فهي نفسي، هذا ما اشعره في قلبي، أفكر الآن بأهالي شهداء فلسطين كلهم، منذ اول يوم للاحتلال الإنجليزي لبلادنا قبل مئة عام او يزيد، وحتى يومنا هذا، حيث سقط ثلاثة من شهداء شعبنا في جنين، وعزائي اليوم أنهم استشهدوا وهو يدافعون عن شعبهم.

يا أهالي الشهداء في فلسطين، أضع قلبي قرب قلوبكم، أضع كتفي بين أكتافكم لنتذكر الأحبة الذين ذهبوا، فأضاءوا الزهر والتراب والندى، وندعو القادة، يكرموا هذا الطاهر، بأن يتوحدوا.

سلام على أرواح الشهداء