زاهر أبو حمدة
قبل أعوام، وقع بين يدي مقابلة صحافية أجراها التلفزيون البريطاني عام 1970 مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير (1898 – 1978). تقول “المرأة الحديدية” إنها فلسطينية وحملت جواز سفر فلسطينياً بين عامي 1921 و1948، وإنه لم يكن هناك دولة إسرائيلية. طِرت فرحاً لما فيها من مضمون يخدم الحق الفلسطيني في أرضه، وخدمني أنها تتحدث باللغة الإنكليزية، فوزعته الى كل من أعرفه يتقن اللغة الأجنبية كنوع من تثبيت الحق بالأدلة ووفقاً لقانون “من لسانهم يدانون”. وفعلاً، تفاجأ أحد الأصدقاء الإيرلنديين حيث وصلته الدعاية الصهيونية قبل “وعد بلفور” التي روجت بأن “فلسطين أرض بلا شعب” هي حق لليهود باعتبارها “أرض الميعاد”. وبالتالي، فتح الفيديو نقاشاً واسعاً في التاريخ و”البروباغندا السياسية” وانتهى الحوار بأن تكفل الصديق بنشره لكل معارفه والمهتمين بقضايا الشرق الأوسط. وأصبح مرجعاً موثقاً للمحاججة في مسألة احتلال فلسطين لا سيما في الإعلام الغربي.
ما فعلتُه، كان بدافع الحرص الذاتي والمبادرة الفردية. لكن قبل أيام قليلة، اقتنص الإعلام العبري ولا سيما الخارجي منه، مقطعاً خطابياً لرئيس حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار، حيث أجاب عن سؤال حول تواجد مقرات عسكرية وسط السكان المدنيين في القطاع. اعترف السنوار بأنه نُقل الجزء الأكبر من المقرات وتعمل الفصائل على نقل ما تبقى منها. مما لا شك فيه أن الاحتلال يتخذ من وجود المقاومين بين المدنيين ذريعة لقصف البيوت والأبراج، حتى إنه حين دمر المبنى حيث تتواجد فيه وكالة ” أسوشيتد برس” الأميركية قال بنيامين نتنياهو، في خلال اتصاله بجو بايدن، إن في العمارة منصات تشويش ضد “القبة الحديدية” ويستخدمه المقاومون. هذا المقطع للسنوار ترجمه الإعلام العبري للغات مختلفة ووزعه على سفاراته والمدافعين عن راويته. وروج حساب “القوات الإسرائيلية” في “تويتر” بقوة للمقطع بعد ترجمته، وحصل على أكثر من 50 ألف إعادة تغريد في حين يملك الحساب أكثر من مليون ونصف متابع. هكذا يحاول الاحتلال تظهير ما يفعله من اجرام وقتل أنه وفقاً لأسباب محقة.
استطاع الفلسطينيون في الأعوام الماضية ولا سيما في معركة “سيف القدس” أن يجذبوا الرأي العام العالمي إلى قضيتهم واظهارها بثوبها الإنساني الحقوقي قبل السياسي. فمسألة حي الشيخ جراح، تمس كل إنسان، ويكفي أن تشرح له معنى أن يطردك أحدهم من بيتك ليسكن فيه وتعرض له “فيديو يعقوب” الشهير، ليتعاطف ويتضامن معك.
وفي السياق، يمكن لفيلم “200 متر” أن يلخص المعاناة الفلسطينية ويقدمها بصورتها اليومية بين المُستعمِر والمُستعمَر. الفيلم السينمائي من إخراج أمين نايفة وإنتاج مي عودة وبطولة علي سليمان ولنا زريق، وأبرز ما يميز العمل هو طرح الفلسطيني لقضيته من دون شعارات ومبالغات ومساحيق مكياج إضافية للسيناريو والحوار. وبعيداً عن احترافية التمثيل والإخراج، يمكن لهذا الفيلم أن يكون مادة تسويقية للخطاب الفلسطيني في كل المحافل، ليس فقط لنيل التأييد بقدر ما يوضح الحقيقة من دون رتوش سلبية أو إيجابية. ويكفي لتأكيد قيمة “200 متر” أنه نال إشادة واسعة من النقاد السينمائيين والجمهور، وحصد عشرات الجوائز العالمية في أكثر من مهرجان، بينها جائزة الجمهور في مهرجان فينيسيا الدولي و5 جوائز دفعة واحدة بمهرجان الجونة في مصر. يُنصح بمشاهدته والتعمق بتفاصيله ونشره إذا أمكن.
مشاهدة ممتعه.