الكاتب: د. رمزي عودة
يشن رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو حملة مستعرة ضد ما يسميه لبيد- بينيت حكومة التغيير، والتي أعلن الكنيست يوم الأحد المقبل موعداً للتصويت عليها في إطار إئتلاف مكون من ثمانية أحزاب إسرائيلية غالبيتها يمينية على عكس ما يدعيه نتنياهو. ومن المتوقع إذا ما حظي هذا الإئتلاف بأغلبية 61 صوت من أصوات الكنيست أن يتم تنحية نتنياهو الذي إستمر في حكم دولة الاحتلال لنحو 12 سنة متواصلة.
ويسعى نتنياهو للضغط على نواب الأحزاب اليمينية التي تشكل غالبية الخارطة السياسية في الكنيست، وذلك من خلال تشويه صورة إئتلاف لبيد -بينيت بوصفه باليسارية، وذلك حتى يقنع النواب اليمينيين والمتطرفين بعدم التصويت لصالح هذا الإئتلاف. ومن جانب آخر، فإن موافقة مجلس الكابينت الاسرائيلي، بالرغم من تحفظات أجهزة الأمن الاسرائيلية، على تأجيل مسيرة الأعلام في القدس المحتلة الى يوم الثلاثاء المقبل، من شأنه أن يحرج إئتلاف "التغيير"، وخاصةً اذا ما حدثت مواجهات بين المقدسيين والمستوطنيين اليهود، وهو الأمر المتوقع، حيث لا يمكن ضبط هؤلاء المتطرفين المستوطنين، بالرغم من تطمينات جهاز الشرطة الاسرائيلية بأن مسار المسيرة لن يمر في البلدة القديمة. وبالضرورة، فإن حدوث مثل هذه الاشتباكات سيُظهر نتنياهو بأنه متمسك بالقدس الموحدة كعاصمة للدولة العبرية، وأن أي تصريحات معارضة من قبل أي من أحزاب إئتلاف التغيير ستؤدي الى تفكك الائتلاف وإنقسامه، وهو الهدف الذي يسعى نتنياهو لحدوثه خاصةً أنه يمس قضية " مقدسة" بالنسبة لكافة الاسرائليين وهو موضوع القدس.
اللافت للنظر، هو أن اليسارية أصحبت اليوم تهمةً في المجتمع الاسرائيلي، وكأن اليمينية وما تحمله من قيم التطرف والعنصرية والعنف غدت هي سمة اليهودية الصهيونية الحديثة. وقد أطلقت في مقال سابق لي في الحياة الجدية لقب "الصهيوداعشية" لوصف الصهيونية في مرحلة الحداثة. ويبدو أن هذا المفهوم هو أقرب الى حقيقة الصهيونية في الوقت الحاضر. ليس فقط بسبب وصف اليسارية بأنها تهمة، ولكنها أيضا بسبب التباهي العلني بمفاهيم اليمينية والتطرف، الذي أصبح سمة هذا الاحتلال الاستيطاني الإحلالي. وفي هذا الاطار، وصف دبلوماسيان إسرائيليان سابقان وهما إيلان باروخ وألون ليئيل، في مقال لهما نشرته وكالة أنباء "غراوند آب" جنوب أفريقيا، أن ما تفعله سلطات تل أبيب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأنه نظام فصل عنصري "أبارتايد". من جانبها، أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان لها حول الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة في القدس المحتلة، بأن إسرائيل تُثبت يوماً بعد يوم أنها دولة فصل عنصري، وتحاول إخماد وكسر إرادة الصمود والمواجهة والسيطرة على وعي الأجيال الفلسطينية. وقد إتسعت إجراءات اليمينية الصهيونية مؤخراً لتعمد الى تطبيق متواصل وممنهج لقانون القومية اليهودية، وبدا أن فلسطينيي عام 1948 والذين يحملون الجنسية الاسرائيلية هم مرمى لهذه السياسات المتطرفة، لاسيما بعد المظاهرات والاحتجاجات التي قاموا بها نصرةً للمسجد الاقصى. في هذا السياق المتطرف وغير الديمقراطي، كشفت وثيقة نشرتها صحيفة "هآرتس" مؤخراً، أن رئيس الشاباك السابق، عموس مينور، اعترف بالتجسس على فلسطينيي عام 1948، موضحاً أن هدف التجسس هو منع احتمال "نشوء قادة عرب يريدون أن يحكموا".
بالمحصلة، يبدو أن تيار الصهيوداعشية يتصاعد في إسرائيل، وعلت أصوات هذا التيار مناديةً بطرد العرب وتحويل المسجد الاقصى الى هيكلهم المزعوم. ولننظر جميعاً الى سلوك الصهاينة وتصريحاتهم لنبرهن على ذلك. يقول يائير الإبن الأكبر لنتنياهو على صفحته في الفيس بوك بأن السلام لن يتحقق في المنطقة الا اذا طُرد العرب من فلسطين، ويقتحم عضو الكنيست بن غفير يومياً باحات المسجد الأقصى داعياً الى بناء الهيكل. ويراهن نتنياهو في إستمراره بالحكم على أصوات اليمين المتطرف ضد ما يسميه باليسارية المتخاذلة. في المجمل. الصهيونية تخلت عن خديعة الديمقراطية التي وصفت نفسها بها منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948، وأصبحت تتباهى بثوبها العنصرى المتطرف الرافض للسلام واعطاء الحقوق للشعب الفلسطيني. وفي النتيجة، وكرد على هذا النهج المتطرف، علينا كفلسطينيين أن نكشف للعالم الوجه الحقيقي والحديث للصهيونية وأن نسعى لإعادة التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة لإعادة وصف الصهيونية بأنها حركة عنصرية، وأن نقنع الغرب بأن التحالف مع إسرائيل فيه خسارة لمصالحم وقيمهم. وأن نستغل التيارات الليبرالية في الولايات المتحدة الرافضة لدعم اسرائيل؛ كما هو الحال بالنسبة لتيار بيرني ساندرز في الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الامريكية، والذي كتب قبل عدة أيام مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" يدعو الأميركيين إلى عدم خلق الذرائع لتأييد "إسرائيل".