الكاتب: السفير حكمت عجوري
لا يوجد فلسطيني لا يحلم بيوم الانتصار على جلاده الصهيوني وقاتل اطفاله ومغتصب ارضه وعليه انتشينا عاطفيا وبعواطفنا هللنا لما حققته صواريخ المقاومة من نصر معنوي على الجيش الصهيوني الذي يَزعم انه لا يُقهر مع ان هذا الزعم قد ثبت بطلانه في الحرب مع حزب الله سنة 2006 ، حينها استثمر الحزب انتصاره وطنيا كونه حزب لبناني ولكن ليس حزبيا او شيعيا وذلك بعد ان تسلم هذا الحزب الراية من قوات الثورة الفلسطينية بعد خروجها من لبنان شاهرة اسلحتها في اكبر استعراض لا يمكن ان يوصف بغير انه استعراض نصر لقوات الثورة الفلسطينية التي الحقت هزيمة كبيرة بجيش الاحتلال بعد حرب اجتياح لبنان في سنة 82 التي استمرت ثلاثة شهور بالرغم من المساندة المباشرة لقوات الاجتياح الصهيوني من قبل امريكا وغير مباشره من قبل بعض الانظمة العربية وقوات لبنانية ونحن هنا لسنا بصدد الخوض في هذا الموضوع.
النصر الحقيقي له مؤشراته وله معاييره وله حواس ملموسه ومرئية ومن هذه فاننا لم نتلمس في معركة شهر رمضان المبارك وشراسة ايامها الاواخر غير انشراح اسارير ودغدغة عواطف الضحايا من الذين اجرم الاحتلال الصهيوني في حقهم واذاقهم وعلى مدار عقود كل صنوف العذاب وهم يشاهدون وربما لاول مره وصول الصواريخ الى قلب الكيان في تل ابيب ويشاهدون جراء ذلك اعدائهم يصرخون من الهلع ويهرعون نحوالملاجيء بعد كل مرة يسمعون فيها زعيق زامور الخطر الذي ينذرهم بوصول دفعة اخرى من الصواريخ الفلسطينية المشحونة بوقود معاناة ضحايا احتلالهم العنصري وجرائمه.
في المقابل وبعد ان طارت النشوة اكتشفنا اننا فقدنا مئات الارواح البريئة معظمهم دفنوا احياء والاف الجرحى وبنى تحتية دمرت وابراج سكنية مزدحمة بالبشر تهاوات وتساوت بالارض وعشرات الالاف فقدوا المأوى وما زالو يعيشون في ظروف لا اعتقد ان ما تحقق من نصر معنوي قد يفيدهم في اي شيء بعضهم خسر كل ما جمعه في حياته من مال وربما هذا ممكن تعويضه ولكن ماذا عن العائلات التي ابيدت باكملها والاطفال الذين حرمتهم طائرات صهيون حتى من فرحة العيد .
ما ذكرته ليس من باب التقليل من اهمية المقاومة ودورها المشروع في مقاومة المحتل ولا من باب طعن معنويات الضحايا التي طالت السماء وربما كان من الممكن ان لا نطرق هكذا باب لو اننا بالمقابل حررنا شبر واحد من فلسطين او لو اننا رفعنا الحصار عن غزه وفي ذلك اضعف الايمان وهذا ما عنيته بمؤشرات النصر الملموس منها والمحسوس.
ليس ذلك فحسب ولكنها مصيبة ما حصل في القاهره وهو ما حدى بي لطرق هذا الباب وتلك العودة غير المحمودة للفصائل وهو ما كنت قد ذكرته في مقال سابق وهو ان لا ندع دولة الاحتلال تحقق بوقف اطلاق النار (الهدوء) ما عجزت عن تحقيقه في الحرب وهو ما يعني ان اسرائيل نجحت بسبب ما حصل في القاهره في تحويل هزيمتها المعنوية الى نصر حقيقيي بان ابقت على الانقسام على حاله بل وعززته وطعنت في مقتل وحددتنا الوطنية التي تحققت ولاول مرة اثناء معركة شهر رمضان التي شارك فيها الثلاثة عشر مليون فلسطيني كل بامكانيلته ولكن تحت الراية الفلسطينية .
النصر الحقيقي لشعب تحت الاحتلال هو كنس الاحتلال وهو ما يستدعي ان نُعد لهذا الكنس ما استطعنا له من قوة وهل هناك قوة اكثر من ان نكون موحدين وعلى قلب رجل واحد وهل من الممكن لمن فرقتهم اهوائهم واوهامهم في ان ينتصروا على غير بعضهم البعض.
ما حصل في القاهره هو عار وطني اقوى من الهزيمة بعد ان شطبت الاطماع الحزبية لحركة حماس اي قيمة لهذا الانتصار المعنوي الذي تحقق اضافة الى انها شطبت ايضا امكانية البناء الجمعي على قدراتنا وتطويرها من اجل المعركة الكبرى وهي معركة كنس الاحتلال.
شخصيا وبتفائل غير عادي اعتقدت بان ما كنا عليه قبل هذه المعركة ، لن يكون ابدا كما بعدها بمعنى انهاء الانقسام ودفنه وتحويله الى مجرد ذكرى مؤلمة وبمعنى ترسيخ وحدتنا الوطنية بين كل الوان الطيف السياسي الوطني الفلسطيني والاسلامي والمستقل وبمعنى اننا اعدنا تصويب بوصلتنا نحو تحرير فلسطين بكل مقدساتها الاسلامية والمسيحية وذلك بسبب كل هذا الوقود الذي امدتنا به الجذور الفلسطينية االممتدة على كل ارض فلسطين التاريخية ، وقود يكفي لتحرير كل شبر سرقه الغزاة من ارضنا الفلسطينية.
ولكن يبدو ان اعتقادي هذا تبخر على وقع ما حصل في القاهره حيث ذهبت حماس الى القاهره لتجني غنائم نصرها الوهمي وتطالب بتسلم مقاليد الحكم وكأننا بصواريخها التي انطلقت من غزة العزه لم تكن تقصد تل ابيب والقدس وانما كانت تقصد فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وعليه نقول بان ليس هكذا تؤكل الكتف يا بعض قادة حماس بعد ان توهم معظم ابناء شعبنا بان الصواريخ عبدت لنا الطريق نحو تحرير الارض غير متناسين في نفس الوقت بان هذه الصواريخ صُنعت و تطورت بتضحيات الشعب وبارواح الشهداء من الابرياء والاطفال .
مع انني كما غيري كنت قد تفائلت خيرا قبل المعركة بنزول حماس اخيرا عن شجرة اطماعها الحزبية وعادت الى حيث يجب ان تكون لونا اصيلا من الوان النسيج الوطني الفلسطيني ولكن يبدوا ان اوامر مرشد الاخوان المسلمين وكعادتها تصدر بما لا تشتهي الوطنية الفلسطينية اخذين بعين الاعتبار ان حماس حركة اخوانية اسلامية تتبع المرشد وفلسطين في شريعتها ليست اكثر من سواك اسنان كما صرح احد قادتها.
في الختام نقول لمن افشل عقد اجتماع القاهره من قادة حماس بان طالب الولاية لا يولى وان السلطة الفلسطينية لا تديرها مجموعة من الملائكة ولكن مجموعة من البشر تخطيء وتصيب واذا كان هناك فساد في السلطة فهو لا يقل عن فساد اي تنظيم او حزب اخر لا هم له سوى الوصول الى عجلة القيادة وباي ثمن كما وان السلطة أُنشأت لتكون اداة خدماتية مرحلية لشعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال وهي ليست قدر على الشعب الفلسطيني الذي ما زال ينتظر موعد الحسم الانتخابي ليقرر مصير هذه السلطة عبر صندوق الانتخاب ولكن ليس عبر الابتزاز الذي ادى كما اسلفت الى افشال عقد اجتماع القاهره الذي تمنينا له ان يكون مقبرة لكل الخلافات الفلسطينية وليس العكس.