الكاتب:
بقلم رانيا عبد العزيز قبج
أدركت المجتمعات البشرية أهمية التربية والتعليم منذ العصور القديمة، وما لها من أثر مباشر على بناء المجتمعات وتحضرها وتقدمها، حيث نشهد تطوراً تكنولوجياً سريعاً منذ بداية القرن الحادي والعشرين ما شجع ودعم التحاق الأطفال من الجنسين على مستوى العالم بالمؤسسات التعليمية.
في العادة ما يقضي الطفل ساعات طويلة في المؤسسات التعليمية التي لها دور واضح في تشكيل وصقل شخصيته، لذا توجب خلق وتعزيز آلية لترسيم تلك العلاقة التكاملية ما بين التربية والتعليم في المؤسسات التعليمية على مختلف أشكالها ومستوياتها، حيث تميزت معايير وأهداف ونتائج كل من التربية والتعليم عن بعضها بعضاً فتناولت التربية الجانب الأخلاقي والنفسي التهذيبي والجانب الروحي. وتناول التعلم الجانب العملي المعلوماتي (المادي).
تشمل التربية على التعليم وهي جزء لا يتجزء منه، وبالرغم من ترابطهما الفعلي إلا أن هنالك فجوة في تنفيذ وتطبيق أهداف كل منهما بشكل فعال ومتكافئ، حيث يتم التركيز على العملية التعليمية وأهدافها ونتائجها بشكل واضح دون أخذ موضوع التربية بشكل تطبيقي فعلي على أرض الواقع، وبات واضحاً أن العملية التعليمية وآثارها تمتد لمدى أوسع من حدود المؤسسة التعليمية، ولا تقتصر على فتره زمنيه معينه بل تتعداها إلى ما بعد ذلك إلى أي الحياه الاجتماعية والأسرية من خلال الواجبات اليومية التي يجب معالجتها وحلها في كنف الأسرة والبيت، ولكن لا وجود واضح لأثار أهداف تربوية ممتدة. ونجد أيضاً أن التطرق للمواضيع التربوية قد تم حصرها في المواد والموضوعات التعليمية، وليس لها أي مظاهر أو مؤشرات نشاطيه أو عملية حقيقة تذكر على أرض الواقع، الأمر الذي يخفي آثارها على مستوى الفرد ومن ثم المجتمع.
إن التربية هي العامل الأهم في صقل شخصية الطفل، وهي التي تعمل على تكوين التوازن النفسي، وتساعد الإنسان على كيفية التعامل مع التوتر والضغوط، وفهم المتغيرات والمؤثرات البيئية الخارجية والتأقلم معها، فيما أن التعليم هو جزء من التربية التي بالضرورة أن تشمل مكونات وأهداف وتوجهات التعليم، بمعنى أن التربية أشمل وأعمق وتستمر مع الإنسان مدى الحياة.
من هنا نستنتج أن العملية التربوية السلمية تنتج مجتمعاً حضرياً قادراً على تطوير ذاته في المجالات الحياتية المختلفة (اجتماعياً، اقتصادياً، سياسياً....) من خلال صياغة حياة عامة لمجتمع متكامل ذي صحة نفسية متوازنة خالٍ من الاضطرابات والتوترات النفسية المختلفة وتبعاتها، إلى جانب انخفاض حالات الاكتئاب المتعددة التي تعصف بمجتمعات الدول الفقيرة، حيث إن العملية التربوية والتعليمية لا تتم من خلال التلقين والإملاء وحشو الأدمغة بكم كبير من المعلومات دون التركيز والتطرق إلى الجانب النفسي التربوي، وإن تم تناول مواضيع ذات علاقة بالأهداف التربوية، فذلك يقتصر مواضيع مذكورة في المناهج التعليمية بطريقة سردية جامده خالية من أي تفاعل، وهذا النمط من التعليم لا ينتج مواطناً متفتح الذهن متوازناً نفسياً قادراً على العطاء والبناء، لذلك نجد كثيرا من المجتمعات قد ارتفعت بها نسبة الجرائم والانتحار والنزاعات إن المؤسسات التعليمية في بلادنا العربية لم تنتج للأسف وسائل تربوية علمية مدروسة لتأسس إنساناً جديداً متكاملاً متزناً، ابتداءً من رياض الأطفال، حيث تفتقر هذه المجتمعات لمنظومة أخلاقية ما يقود إلى التخلف.
فماذا لو جردنا العملية التعليمية عن ملازمتها التربية لتصبح عملية تلقينيه للمعلومات بطرق ثابته بعيده كل البعد عن العوامل المتغيرة مثل العوامل النفسية والبيئية والأخلاقية، وتكون عملية روتينية مهمتها تعبئة وتكديس العقل بالمعلومات فقط، والتعامل مع الطالب كأنه مجرد أداة ليصبح دور المعلم نتيجة ذلك مقتصراً على التلقين ليس إلا، وليس له أية علاقة بالتعامل مع المواقف ورادات الأفعال، يؤدي عمله بلا دلالات تربوية، الأمر الذي يجعله غير قادر على تنشئة إنسان متزن قادر على مواجهة التغيرات المستجدة.
من الجدير بالذكر أن التعليم عملية يمكن الاستدلال عليها من خلال معاير مادية محددة، ونستطيع قياس نتائجه الفعلية من خلال الامتحانات والتقييم الذي قد يتقدم به الطالب على سبيل المثال، ولكن لا يوجد معيار محدد للتربية نستطيع من خلاله تقيميها، وإنما قد يستدل عليها من خلال تصرفات وردات أفعال الإنسان في مواقف مختلفة سواء داخل المؤسسات التعليمية وخارجها، وعلى مدى تطور وتحضر مجتمعه.
وكخلاصة يمكن القول إن العملية التعليمية تعتمد اعتماداً أساسياً على المعلومات المحددة في المناهج التعليمية في المؤسسات التعليمية، أما التربية كمصطلح وتطبيق فتعد أوسع وأشمل من التعليم، بل هي عامل متغير متجدد مع المتغيرات البيئية والمجتمعية والتكنولوجية، لذلك لابد من تفعيل الجانب التربوي وتوفير حصص ومناهج مخصصه لترسيخ أسس تربوية يوماً بعد آخر، على طريق جعل التربية نهج حياة، تستمر في كل المراحل الحياتية.