الثلاثاء: 21/01/2025 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
الصحة: وصول شهيد إلى مستشفى جنين الحكومي جراء قصف الاحتلال على جنين
قوات خاصة تابعة للاحتلال تحاصر احد المنازل في منطقة الجابريات جنوب غرب جنين

يجب الدفاع عن حرية الكلمة.. لكن على الكلمة أن تكون نظيفة !

نشر بتاريخ: 26/06/2021 ( آخر تحديث: 26/06/2021 الساعة: 19:13 )

الكاتب: سميرة الخطيب

لا شك أن مأساة وجريمة مقتل الناشط نزار بنات قد فجرت موضوعاً هاماً جداً في واقعنا الفلسطيني وهو الدفاع عن حرية الكلمة ومدى القمع الموجود ضد هذه الحرية .

بدايةً أود أن أؤكد أن حرية الكلمة هي مبدأ مقدس يجب الدفاع عنه والحفاظ عليه في أي مجتمع ونظام حكم وطني دمقراطي وعصري . ومن يعلم ويقدر ذلك أكثر منا ، نحن الصحفيين والإعلاميين ؟

ولماذا هذا التأكيد ؟ لأنني لا أريد أن أركب على الموجة السائدة منذ يومين وأضرب ذات اليمين وذات اليسار في السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية ، دون معرفة الحقائق واعتماداً على الحدس وعلى " الجو العام " ، وقبل نتائج التحقيق النهائية .

إن حقيقة مقتل المواطن ، أي مواطن ، على يد رجال الأمن أثناء اعتقاله وضربه ، هي حقيقة مؤلمة لنا كمجتمع وهي جريمة يجب التحقيق فيها حتى النهاية والوصول إلى المجرم الحقيقي ، من مستوى الشرطي البسيط الى مستوى الوزير أو المسؤول الكبير . هذا من ناحية . لكن من ناحية ثانية :

إلى أي مدى حرية الكلمة هي أمر مقدس ؟

لماذا لا ننظر إلى الكلمة أيضاً بعين المنتقد وعين الفاحص ؟ وهل يمكننا أن نقول كل ما نريد دون أي اعتبار ؟ ألا يجدر بالكلمة أن تكون نظيفة ؟ أم يحق للقائل أو الكاتب أن يكتب ما يشاء ويوزع الاتهامات والمسبات على من يشاء دون أي رادع ؟ وهل القانون الذي يحمي حرية الكلمة لا يحمي الضررالوطني أو الأمني أو الأخلاقي من الكلام المضر ؟

أقول هذا الكلام ليس فقط بسبب النقاش الذي أثارته جريمة قتل المرحوم نزار ، ولكن لكثرة المقالات ومنشورات الفيسبوك والتسجيلات الصوتية والمرئية التي توزع الاتهامات على رجال السلطة الفلسطينية بسخاء ودون أية إثباتات أو بحث عن الحقيقة المجردة : فلان خائن ، فلان عميل ، فلان حرامي ، فلان جاسوس دولي ، فلان " يهودي " ، فلان يخون زوجته ، فلان متوزج بالسر ، فلان يبيع الأراضي لليهود سراً ، وفلان وعلان ....

هل تعلم ماذا يعني أن تقول عن فلان أنه خائن أو عميل ، دون أي بحث أو إثبات ، ومتسلحاً بقدسية حرية الكلمة ؟ ماذا يعني له ، لأهله ، لبيته ، لموظفيه أو لمشغليه ؟ وهل تدرك كمية الشك والمخاوف والأذى التي تطلقه هذه الكلمة ؟ وهل أنت عالم بالغيب لتعلم بهذه " الأسرار" وتكون متأكداً منها لتطلق هذه التهمة أو تلك ، يا عالم الغيب ؟ وأنا لا أتطرق هنا إلى المسبات الدنيئة والجمل الفاضحة ذات المستوى الأخلاقي المتدني ، فتلك أقل ضراً من اتهامات الخيانة والعمالة والطعن بالشرف والأخلاق التي نراها ونسمعها كل يوم وعلى شتى المنصات . فهل هذه هي حرية الكلمة ؟ أليس لحرية الكلمة من حدود ؟

هل تعلم أنه حتى لو أطلقتَ مثل هذه التهم واعتذرت وتأسفت ، فإن الضرر والأذي سيبقيان في الذهون والعقول إلى الأبد ؟

نعم أردت الكلام عن الوجه الآخر للموضوع ، بشكل عام . فإلى جانب إدانة كم الأفواه قسراً وبالقوة ، يجب الحفاظ على نظافة هذه الأفواه ، ولا أعتني نظافتها من الشتائم واللغة الدنيئة فقط ، وإنما ، وبالأساس ، نتظافتها من نشر الإشاعات وتوزيع التهم وتخوين البعض بلا حساب وبكل بساطة ، تحت غطاء حرية الكلمة .

لا شك أن على السلطة الفلسطينية ، بعلاقة أو دون علاقة مع جريمة قتل نزار بنات ، أن تدرس سياستها تجاه كم الأفواه القسرية ، وأن تتبع وسائل أفضل لحماية كرامة الإنسان من المشوهين والمغرضين . ولا شك أن هناك ما يجب أن تعمله السلطة في هذا المجال ، فقد سبقت هذه الجريمة اعتقالات لصجفيين واعتداءات عليهم .

ولكن الأدهى والأمر في هذا الموضوع هو أن تتكلم حركة حماس عن مقتل نزار بنات وكأنها حامية الحمى لحرية الكلمة في القطاع أو وكأنها تضاهي انجلترا وسويسرا في حرية الصحافة ! إن كمية القمع الموجودة في قطاع غزة أكبر منها في الضفة . فمنذ انقلاب حماس هناك ممارسة قمعية ليس فقط تجاه أعضاء ومؤيدي " فتح " وإنما تجاه كل من يوجه كلمة انتقاد لحماس أو رجالها في أي حادث أو موضوع . وهناك الاعتقالات السياسية أيضاً ، وهناك من اضطروا للهجرة في سفن التهريب المكتظة الخطرة بعد خروجهم من السجون . فلتنظر حماس إلى نفسها قبل انتقاد السلطة .

وأخيراً فإننا نتمنى أن يتم التحقيق النزيه في هذه الجريمة ومعاقبة المسؤولين عنها مهما كان مستوى وظيفتهم . كما أن من الضروري مراجعة هذا الملف واستخلاص النتائج واحترام حرية الرأي والتعبير واحترام القانون .

ولتكن كلماتنا وألسنتنا نظيفة ، وننتقد بموضوعية وبحجج وحقائق وليس بادعاء معرفة الغيب وزرع الفتن والشكوك .

لنا عدو لنوجه إليه سهامنا ، ولنتوقف عن توجيه السهام لبعضنا البعض والطعن في الظهر .

ورغم كل ما قيل ، لتكن حرية الكلمة فوق كل اعتبار ، وهي موجودة ومحمية والحمد لله ، ولولا ذلك لما استطعتم قراءة مثل هذا المقال.