الكاتب: سميرة الخطيب
لا شك أن مأساة وجريمة مقتل الناشط نزار بنات قد فجرت موضوعاً هاماً جداً في واقعنا الفلسطيني وهو الدفاع عن حرية الكلمة ومدى القمع الموجود ضد هذه الحرية .
بدايةً أود أن أؤكد أن حرية الكلمة هي مبدأ مقدس يجب الدفاع عنه والحفاظ عليه في أي مجتمع ونظام حكم وطني دمقراطي وعصري . ومن يعلم ويقدر ذلك أكثر منا ، نحن الصحفيين والإعلاميين ؟
ولماذا هذا التأكيد ؟ لأنني لا أريد أن أركب على الموجة السائدة منذ يومين وأضرب ذات اليمين وذات اليسار في السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية ، دون معرفة الحقائق واعتماداً على الحدس وعلى " الجو العام " ، وقبل نتائج التحقيق النهائية .
إن حقيقة مقتل المواطن ، أي مواطن ، على يد رجال الأمن أثناء اعتقاله وضربه ، هي حقيقة مؤلمة لنا كمجتمع وهي جريمة يجب التحقيق فيها حتى النهاية والوصول إلى المجرم الحقيقي ، من مستوى الشرطي البسيط الى مستوى الوزير أو المسؤول الكبير . هذا من ناحية . لكن من ناحية ثانية :
إلى أي مدى حرية الكلمة هي أمر مقدس ؟
لماذا لا ننظر إلى الكلمة أيضاً بعين المنتقد وعين الفاحص ؟ وهل يمكننا أن نقول كل ما نريد دون أي اعتبار ؟ ألا يجدر بالكلمة أن تكون نظيفة ؟ أم يحق للقائل أو الكاتب أن يكتب ما يشاء ويوزع الاتهامات والمسبات على من يشاء دون أي رادع ؟ وهل القانون الذي يحمي حرية الكلمة لا يحمي الضررالوطني أو الأمني أو الأخلاقي من الكلام المضر ؟
أقول هذا الكلام ليس فقط بسبب النقاش الذي أثارته جريمة قتل المرحوم نزار ، ولكن لكثرة المقالات ومنشورات الفيسبوك والتسجيلات الصوتية والمرئية التي توزع الاتهامات على رجال السلطة الفلسطينية بسخاء ودون أية إثباتات أو بحث عن الحقيقة المجردة : فلان خائن ، فلان عميل ، فلان حرامي ، فلان جاسوس دولي ، فلان " يهودي " ، فلان يخون زوجته ، فلان متوزج بالسر ، فلان يبيع الأراضي لليهود سراً ، وفلان وعلان ....
هل تعلم ماذا يعني أن تقول عن فلان أنه خائن أو عميل ، دون أي بحث أو إثبات ، ومتسلحاً بقدسية حرية الكلمة ؟ ماذا يعني له ، لأهله ، لبيته ، لموظفيه أو لمشغليه ؟ وهل تدرك كمية الشك والمخاوف والأذى التي تطلقه هذه الكلمة ؟ وهل أنت عالم بالغيب لتعلم بهذه " الأسرار" وتكون متأكداً منها لتطلق هذه التهمة أو تلك ، يا عالم الغيب ؟ وأنا لا أتطرق هنا إلى المسبات الدنيئة والجمل الفاضحة ذات المستوى الأخلاقي المتدني ، فتلك أقل ضراً من اتهامات الخيانة والعمالة والطعن بالشرف والأخلاق التي نراها ونسمعها كل يوم وعلى شتى المنصات . فهل هذه هي حرية الكلمة ؟ أليس لحرية الكلمة من حدود ؟
هل تعلم أنه حتى لو أطلقتَ مثل هذه التهم واعتذرت وتأسفت ، فإن الضرر والأذي سيبقيان في الذهون والعقول إلى الأبد ؟
نعم أردت الكلام عن الوجه الآخر للموضوع ، بشكل عام . فإلى جانب إدانة كم الأفواه قسراً وبالقوة ، يجب الحفاظ على نظافة هذه الأفواه ، ولا أعتني نظافتها من الشتائم واللغة الدنيئة فقط ، وإنما ، وبالأساس ، نتظافتها من نشر الإشاعات وتوزيع التهم وتخوين البعض بلا حساب وبكل بساطة ، تحت غطاء حرية الكلمة .
لا شك أن على السلطة الفلسطينية ، بعلاقة أو دون علاقة مع جريمة قتل نزار بنات ، أن تدرس سياستها تجاه كم الأفواه القسرية ، وأن تتبع وسائل أفضل لحماية كرامة الإنسان من المشوهين والمغرضين . ولا شك أن هناك ما يجب أن تعمله السلطة في هذا المجال ، فقد سبقت هذه الجريمة اعتقالات لصجفيين واعتداءات عليهم .
ولكن الأدهى والأمر في هذا الموضوع هو أن تتكلم حركة حماس عن مقتل نزار بنات وكأنها حامية الحمى لحرية الكلمة في القطاع أو وكأنها تضاهي انجلترا وسويسرا في حرية الصحافة ! إن كمية القمع الموجودة في قطاع غزة أكبر منها في الضفة . فمنذ انقلاب حماس هناك ممارسة قمعية ليس فقط تجاه أعضاء ومؤيدي " فتح " وإنما تجاه كل من يوجه كلمة انتقاد لحماس أو رجالها في أي حادث أو موضوع . وهناك الاعتقالات السياسية أيضاً ، وهناك من اضطروا للهجرة في سفن التهريب المكتظة الخطرة بعد خروجهم من السجون . فلتنظر حماس إلى نفسها قبل انتقاد السلطة .
وأخيراً فإننا نتمنى أن يتم التحقيق النزيه في هذه الجريمة ومعاقبة المسؤولين عنها مهما كان مستوى وظيفتهم . كما أن من الضروري مراجعة هذا الملف واستخلاص النتائج واحترام حرية الرأي والتعبير واحترام القانون .
ولتكن كلماتنا وألسنتنا نظيفة ، وننتقد بموضوعية وبحجج وحقائق وليس بادعاء معرفة الغيب وزرع الفتن والشكوك .
لنا عدو لنوجه إليه سهامنا ، ولنتوقف عن توجيه السهام لبعضنا البعض والطعن في الظهر .
ورغم كل ما قيل ، لتكن حرية الكلمة فوق كل اعتبار ، وهي موجودة ومحمية والحمد لله ، ولولا ذلك لما استطعتم قراءة مثل هذا المقال.