الكاتب:
بقلم: د. صبري صيدم
في عالم السياسية العربية ثمة ثابت وحيد ونادر وغريب وغير مسبوق، ألا وهو وجود سلطة محل نزاع دائم، أو توجس بنزاع مقبل، أي لا يوجد حال سياسي مستقر، فإما يتصارع الأشقاء على السلطة، أو تعيش الدولة تحت وطأة انقلاب عسكري مقبل، أو مطامح توسعية للجيران، أو خطر احتلالي مستدام، أي أن مدرسة الحكم العربية لا تشهد استقراراً دائماً، مضافاً إليه مشهد دولي وإقليمي ومحلي مضطرب في معظم حالاته، وهو ما يعني وجود توليفة غير مسبوقة، تحتاج لمن هو أكبر من «سوبرمان» لقيادة حال كهذا.
لا ننسى طبعاً أن عديد الأنبياء، والصحابة تعاقبوا على بلدانٍ عربية مختلفة، فكانت لهم ولغيرهم إما مسقطاً لرأسهم أو منصة للإسراء والمعراج، أو موقعاً للفتح، أو الغزو، أو العبور أو النجاة، لكنهم جميعاً ورغم نبل رسالاتهم وروحانية بعض محطات حياتهم، إلا أن تجاربهم لم تكن سهلة بل محفوفة بالتحدي والمواجهة والآلام والمعاناة، وهو ما ربط مهمة الرسل السماوية بالمعاناة، بحيث تشكل تلك المعاناة منصة التأسيس لنشر ما يحمله الأنبياء من فكرٍ وعقيدة.
لذلك فإن معظم بقاع العالم العربي ليست أرضاً مباركة فحسب، بل هي أرض التناقضات في تحدياتها وتجاربها ومشاهدها التاريخية. وعليه فإن أحداً لن يستطيع أن يدعي امتلاكه لدفة الكمال في إدارة مشهد الأحداث وتفاصيل الحياة اليومية، ولربما لن يستطيع إدارة شأن الناس وحياتهم، دونما عثرات أو مطبات، أو إفرازات، لا تجعل من الحياة إلا تحديا كبيرا، بل ربما تجعل من القيادة الناجزة أمراً مستحيلاً.
ما من شك في ان الموقع الجغرافي للعالم العربي وثرواته وتكوينه وتركيبه العرقي والديني، شكلت مجتمعة هدفاً أزلياً للغزاة الطامعين، وصولاً إلى ترسيخ مفاهيم الاستعمار الحديث، القائم على الهيمنة غير المباشرة، وتوظيف الفقر والحرمان والجهل، وتغليفه بتعاليم دينية موجهة، وشقاق سياسي مستدام، لضمان تنفيذ سياسة: «فرق تسد».
لذا فإن أرض الديانات والبركات، وأرض الأنبياء والكتب السماوية، وأرض المحشر والمنشر، وحاضنة الكعبة المشرفة، ومواقع حضارات الكنعانين والبابليين والآشوريين والآراميين والفينيقيين، وجبال الأطلس وصلالة، وأنهر النيل والرافدين، إنما تعيش في مجملها امتحاناً مستداماً في كل شيء، في ظل سطوة الطامعين والمتقاتلين والمتنافسين في معركة السيطرة المطلقة عليها.
نعم، إنه الموقع الجغرافي، ومنابع النفط، ومنافذ التجارة، والنفاذ إلى البحر، ومكامن الثروات، والقائمة تطول من الخيرات التي تجعل احتدام الصراع البشري حدثاً حاضراً ومستداماً.
ولربما يرى البعض أن ما يجري ليس سمة مقتصرة على العالم العربي لوحده، وأن دولاً أخرى في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تعيش المصير ذاته، من اضطراب الحكم وغياب استدامة الاستقرار.
هذا صحيح، لكن معظم تلك الدول لا تمتلك العمق الديني والبشري والجغرافي والعرقي والتاريخي ذاته للعالم العربي، ولا تترابط جميعها باللغة والدم والعادات والتقاليد.
لذا فإن العالم العربي يبقى المميز في ما وصم به بعد تشرذم جغرافيته وتقسيمها إلى دول مختلفة عقب حروبٍ توالت، تفصلها حدود ما لبث أن رآها كثيرون وصفة مستدامة للصراعات البينية، وانعدام الاستقرار وسواد الظلم.
وعليه فإن عالمنا العربي سيبقى الضحية الأكبر عالمياً، طالما بقيت تلك الدول المتشرذمة عنواناً له، وطالما جُرف هو نحو القتال والمعارك والحروب.