الكاتب:
د. سهيل الاحمد
إن لكل شيء قيمة وثمنًا ومقدارًا يوزن به ويعلم قدره من خلاله، وثمن الدرر والمعالي مشقة الغوص إلى جوف المخاطر وأعماقها، لنيل المرادات وعلو المقامات، وقيمة النجاح والتقدم تكون بالصبر على تلقي المصابات والأهوال والنكبات، ولكل مرغوب ومطلوب فاتورة ومغارم، وضريبة النجاح جهود مبذولة بتعب ينتج عنه أوجاع من جسد مجهد قد سهر بلا كلل وتعلم وبذل الغالي والنفيس في سبيل الهدف دون ملل، ويتخلل ذلك ذرف دموع جارية، قد أثر فيها قلب أسيف من خلال ظرف أرهقه وأضعف قدرته على المتابعة والوصول للأمر المرجو والهدف المراد، وهنا ينبغي على المرء أن يركز في الأمر ويهتم به، ويتفانى في ذلك لأن الاهتمام مع التركيز حال القيام بالموكول إليه والمكلف به هو روح العمل ونجاحه وتقدمه وفلاحه، فمن القواعد المهمة: أن كل راع مسؤول عن رعيته، وأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، لأن الإتقان مسؤولية والرعاية كرامة، وهي تكليف يقتضي فهم المقصد والمآل، فالأمر والبذل الذي لا تركيز فيه ولا اهتمام، سيؤدى بنقص من غير إتمام، ولن يتحقق له التحسين والإكمال، أو التوفيق والنجاح والإقبال، وهو يعد بخصوص ذلك مضيعة للوقت وتزود في الخسارة والهلاك، أو جلب للمقت والإرباك، فمن أراد أن يحفظ وقته ويجيد عمله فلا بد له من أن يجمع طاقته ويصب اهتمامه وكذلك وجب عليه لأجل ذلك أن يركز قدراته على هذا العمل المراد القيام به وذلك حتى يجد الثمار النافعة، والأعمال الصالحة، وليعلم أنه لا بد من جعل لكل خطوة يخطوها، أو موقف يسير في أرجائه ــــ سواء أكان ذلك في العلاقات المبرمة، أو الأعمال والتصرفات المنعقدة، أو أنه قد ظهر حال عرض الأفكار المستنبطة، والمناهج المسلوكة، والمستخرجات المستنتجة ــــــ قصداً ومقصداً وهدفاً محدداً ومجدداً وللخير ممهداً، بتبني الإتقان في كل ذلك وجعل الاهتمام بالأمر والتركيز فيه من روح وأسس الأعمال والأفعال، وأجود الألفاظ والأقوال، ويتجلى روح الإتقان وثمراته في قلة الخلاف، وحسن الإنصاف، والبعد عن طلب العثرات، وتحسين ما يبدو من السيئات، والتماس المعذرة، واحتمال الأذى، والرجوع بالخلاف على النفس بالمحاسبة، والتفرد بمعرفة عيوب نفسه وعدم الانشغال بعيوب غيره، ويتجلى ذلك ويظهر كماله وجماله في طلاقة الوجه للصغير من الناس والكبير، ولين الكلام واللطف فيه لمن دونه ومن فوقه منهم.