الكاتب:
مهند أبو شمة
لعلّ أكثر ما يشغل بال المتابع الفلسطيني لعمل وزارات الدولة هو التعديل أو التغيير الوزاري، وعادة ما تكون العواطف والمشاعر هي التي تتحكم في التعبير عن الرضا أو الاستياء مما يحدث أو سيحدث، ولم نسمع يوماً ما عن تحليل مُعمق عن كيفية أداء الوزارات، ولم نسمع صوتاً عالياً ينادي بضرورة تعزيز وكيل وزارة أو وكيل مساعد، أو مدير عام ممن أثبتوا مكانتهم ومقدرتهم ولديهم فرصة لإحداث تغيير؛ بترشيحهم لمناصب وزارية يُستفاد منها في تجويد الخدمات، ولم نسمع أيضاً- من باب المساءلة أو المحاسبة - مطالبات بتغيير من هم في الفئات الوظيفية العليا كوكيل وزارة ووكيل مساعد ومدير عام ممن ساهموا في فشل أو إخفاق مؤسساتهم، فمن خلال خبرتي المتراكمة في القطاع العام والتي يتجاوز عمرها الزمني (٢٢) عاماً أعي جيداً أن عمل الوزارة أو المؤسسة ونجاحها لا يقتصر على أداء الوزير وحده، لا بل إن أصحاب المناصب العليا هم الأهم في تقديم الخدمات وتجويدها، وهم أدوات النجاح وأسباب الفشل، فإذا ما أردنا تغييراً حقيقياً فلنكن أكثر موضوعية، وأكثر عدالة، ولنتطلع للأسباب الحقيقية للنجاح ونعززها، ولنتعمق في فحص المسببات التي تقف خلف الفشل، وتحديد العناوين بذاتها ومساءلتها ومحاسبتها، فاقتصار التغيير أو التعديل الوزاري على الوزراء وحدهم دون أن يتبعه تغيير أو تعديل في الفئات العليا في الوزارات سيبقي حال المؤسسات كما هو، فهمّ أصحاب الوظائف والمناصب العليا في المؤسسات وهدفهم هو كيفية صناعة الأتباع لا إعداد القادة، وهذا ما يفسر تراتبية العمل في مؤسساتنا وعدم وجود نهضة حقيقية أو تغيير لافت.
إذن السبب في بقاء الحال على ما هو عليه؛ ليس قلة الموارد وشُح الكفاءات بقدر ما هو عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، وبحكم تجربتي الطويلة فإن أكثر العبارات التي أسمعها تتردد على ألسنة أصحاب المناصب التنفيذية العليا في مؤسساتهم إذا ما أرادوا اختيار مورد بشري في موقعٍ ما " فلان بِغلّب"، وتطلق هذه العبارة على أشخاص ذوي صفات شخصية وقيادية، ولهم قدرة على النقد البناء والنهوض بمؤسساتهم وتسجيل قصص نجاح وإبداع ، ولهم قدرة على قيادة التغيير، وينتمون بقوة لمؤسساتهم، ومقابل ذلك تتردد عبارة "فلان سلس" أي أنه يتمتع بشخصية هادئة، لا يجادل، ولا ينتقد، ويطبق التعليمات دون نقاش، فلا غرابة أن تجد سلسا في أعلى المناصب، وتجد أصحاب الفكر المتنور في قاع الهرم الوظيفي، إذ اعتاد أصحاب المناصب صناعة أتباع، لا إعداد قادة ، فعملوا على تعزيز الولاء لا الانتماء، ولهذا كله تجد تاريخ المؤسسة يسير في ذات الاتجاه دون أي تحولات تشير لأصحابها بالبنان، فقد اعتاد المسؤولون إدارة المؤسسات من خلال أتباعهم، لا من خلال منظومة قانونية إدارية مؤسساتية، وعادة تتوارى الشخصية الحقيقية المتفردة للمسؤول خلف الأتباع ، ويبقى نمط المسؤول الإداري مسيطراً على إدارة المؤسسة وعلى فترات متعاقبة .
وما يثير الغرابة دائماً تجاه ممثلي الشعب، وقيادات الأحزاب والحركات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني المطالبة بتغيير أو تعديل شخص الوزير، وأنه هو ومن يخلفه ومن سلفه يدفعون الثمن وحدهم ،وكأن الأمر في إدارة مؤسسات ووزارات الدولة يتعلق بشخص الوزير وحده !!! فما هو مطلوب من كل حريص على بناء مؤسسي قوي يمتثل لمبادئ الحكم الرشيد، وتجويد الخدمات لنيل رضا الجمهور، أن يتنبه لما هو أعمق وأهم من تغيير شخص الوزير، فكم من الوزراء كُبلت أيديهم وعجزوا عن إدارة مؤسساتهم، وسجلوا قصص فشل لا بسببهم، بل لوجود كوادر تنفيذية معيقة، والتي غالبا ما يحكم عملها ووجودها روابط الشللية ولغة المؤامرة، فأداء المؤسسة ليس مقترنا بوجود الوزير وحده !!. وما أن تُعلن أسماء من سيتقلدون المناصب الوزارية حتى تتعالى وتنهمر عبارات التهنئة والمباركة، وأكثرها عبارة " الرجل المناسب في المكان المناسب"، وما أن تنقضي فترة من الزمن حتى ينقلب من بارك وهنأ ليصبح في الجانب المعاكس الذي ينتقد وأحياناً يسب ويلعن !! فيا سادة وَيَا أصحاب الفكر الوطني المتنور، إن شئتم تسجيل قصص نجاح في بناء مؤسسات الدولة، تنبهوّا إلى أن التغيير أو التعديل الوزاري ليس هو المحدد الأساسي، فالمواطن الفلسطيني لا يعنيه من هو على رأس الوزارة ، بقدر ما يعنيه جودة وعدالة الخدمات .
ومن هنا أُبرق رسالة وطنية مهنية لكل من يتطلع لبناء مستقبل مؤسسي فلسطيني مشرق ومتين " أن التغيير الحقيقي، يجب أن يطال ليس الوزراء، بل بعض من هم في المناصب العليا والذين غالباً ما يكونون سبباً رئيساً في فشل مؤسساتهم، فاختيارهم أهم من اختيار الوزير، كونهم الأدوات التنفيذية، وبقاء الفاشل والمعيق في موقعه، حتماً سيكون سبباً في قصة فشل أي وزير قادم !!. والإصلاح الشمولي يتحقق إذا ما طال مختلف مستويات الهرم الوظيفي، ومؤسساتنا بحاجة لمدارس متخصصة في إعداد قادة تغيير، تحويليين، وبالشراكة مع مكونات الحياة السياسية والمجتمعية، يتم فيها تطويرهم وتجهيزهم لإشعال مناصب عليا في الدولة، وبذا؛ تصبح مؤسسات الدولة حاضنة لإعداد القادة، لا مدارس لصناعة الأتباع !! المحصلّة: اقتصار التعديل أو التغيير على الوزراء لن يحقق المرجوّ، لذا هناك ضرورة لأن يشمل أبعد من ذلك، وضمن معايير عادلة تطال كل من أخفق في عمله أو ساهم في تعطيل أو إعاقة نجاح رأس الهرم في المؤسسة، وكل من تساوق، وتماشى، ونافق، وتسلط، وتعسف في استخدام سلطته لتحقيق مصالح خاصة وضيقة له ولرأس الهرم.. ...........