الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
لم يعد النقاش اذا يتخذ الاحتلال الإسرائيلي قراره بالانسحاب من الضفة الغربية ام لا . وانما البحث حول شكل هذا الانسحاب ، واذا كان مرة واحدة ام على مراحل .
الأحزاب الصهيونية ومعها جمهور ناخبيها دخلوا جميعا في نفق العنصرية بحيث لا يمكن لعقولهم أن تستوعب مفهوم الدولة الواحدة وان يعيشوا مع العرب في نفس المكان وفي نفس الزمان .
ومنذ 1948 وحتى 2008 كانت أمنية عند الأحزاب الصهيونية أن يوافق العرب على العيش معهم . ولكن نتانياهو أقنعهم بفكرة "مجنونة" غير قابلة للتحقيق وهي فكرة الدولة اليهودية. وبمساعدة قليلة من السياسيين الفاشلين في البيت الأبيض دخل الصهاينة في دهاليز هذه الفكرة ولم يستطيعوا الخروج منها .
في 2003 كان مطلب عرفات الوحيد ان يلتزم الإسرائيليون بما وقّعوا عليه من اتفاقيات وأن يمنحوا الشعب الفلسطيني وبضمانات دولية ان يعيشوا حياتهم الطبيعية من دون جيش ومن دون سلاح ومن دون أية عداوة . لكن شارون رماهم في نيران الانتفاضات المتعاقبة .
ولا يستهان بأثر انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان على الفكر الصهيوني . فقد تسبب الامر بصدمة كهربائية كبيرة في تل ابيب ، ولا تزال الهزّات الارتدادية تضرب مستوطنات إسرائيل. ولا يوجد مستوطن واحد لم يخطر بباله فكرة الرحيل في يوم ما، وهل سيكفيه الوقت حينها لتوضيب حاجياته وهو هارب تحت حماية الدبابات والطائرات الإسرائيلية . تماما مثلما حدث في نتساريم ومستوطنات غزة ، وكما حدث في مستوطنات ياميت في سيناء ، وكما حدث في غور الاردن .. وهكذا .
فقد أشادت إسرائيل مستوطنات ياميت وشرم الشيخ وخططت للبقاء فيها مئات السنين. لكن الامر لم يستغرق سوى دقائق حتى صار تلفزيون إسرائيل يبث صور المستوطنين وهم يبكون ويخرجون منها .
إسرائيل لا تستطيع البقاء في الضفة الغربية سنة أخرى. وهي مسألة وقت حتى تتحوّل جميع مدن ومحافظات الضفة الغربية الى جنين . وتتحوّل جميع سجون الاحتلال الى جلبوع . ويتحوّل جميع الفتحاويين الى زكريا الزبيدي .
نفس النتيجة، ولا يمكن لأي جهة ان تتلاعب بنتيجتها. إسرائيل سوف تنسحب من فلسطين. ولكن السؤال هل يمكن عمل ذلك بسهولة كما فعلت أمريكا في أفغانستان، ام بالطريقة الصعبة كما فعلت إسرائيل في جنوب لبنان .
وكلما تأخر الوقت .. وكلما سالت الدماء أكثر . لن تجد إسرائيل أي فلسطيني يفاوضها ، ولن تجد من يجرؤ على مفاوضتها أصلا .
وداعا للاتفاقيات السخيفة المبهمة . وداعا لأوسلو وادواتها . وداعا للابتسامات الصفراء . وداعا للمبعوثين الدوليين المنافقين . وداعا لسنوات العمر التي ضاعت سدى في استجداء الحقوق . وداعا للمبادرة العربية الرخيصة .