الكاتب:
نهى نعيم الطوباسي*
كان للثورة الصناعية، وما تلاها من اكتشافات أثر في إحداث ثورات علمية وفكرية وثقافية، وتحولات اقتصادية واجتماعية، في حياة الدول والشعوب. فالتنقيب عن النفط والثروات الطبيعية، أصبح الشاغل الأول للإنسان، والذهب الأسود قلب العالم رأسا على عقب، وأشعل المنافسة بين الدول، وكان له أثر في التحولات السياسية والإستراتيجية.
الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، هو (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة)، ولا شك أن إنجازه سيحقق بعض العدالة، وسيقلص فجوة التنمية بين الدول، خصوصا أن واحدا من كل سبعة أشخاص يفتقر إلى الكهرباء حسب الأمم المتحدة، ويعيش معظم هؤلاء في الدول النامية. وضمان حصول الجميع على الطاقة الحديثة الموثوقة بتكلفة ميسورة بحلول عام 2030، وتطوير البنية التحتية في مجال الطاقة المتجددة، سيخفف من نسبة التلوث في العالم، فالطاقة هي المساهم الرئيسي في تغير المناخ، فهي تنتج حوالي 60% من غازات الدفيئة.
في فلسطين، ثمة عراقيل كثيرة يضعها الاحتلال تحول دون الوصول إلى الهدف السابع في عام 2030، وتثير التساؤلات حول إمكانية نجاح الانفكاك الإقتصادي عن اسرائيل. ففي الوقت الذي تحاول فيه دولة الاحتلال، منع الفلسطينيين من التطور في قطاع الطاقة والحصول على الطاقة المتجددة، بفرض القيود على إنشاء محطات توليد الكهرباء والطاقة، ومنع الحكومة الفلسطينية، من العمل في المناطق المصنفة (ج)، وعرقلة إنشاء أية مشاريع للطاقة المتجددة فيها. بالمقابل تسعى اسرائيل إلى التفوق عالميا في مجال الطاقة، فهي في المرتبة الأولى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمركز الثاني عالميا في القدرة على توليد الطاقة الشمسية، وتبلغ الطاقة المنتجة من خلال الطاقة الشمسية في إسرائيل 8.7٪، بعد هندوراس التي تبلغ النسبة لديها 14.8٪، وفي ألمانيا 8.6٪، وتشيلي 8.5٪، ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل تقوم اسرائيل بتشجيع المستثمرين على إنتاج الطاقة المتجددة واستخدامها، وتمنح التراخيص في هذا المجال.
وهنا يظهر أيضا الفرق بالأمن الطاقي، بين اسرائيل وفلسطين، فاسرائيل تعزز أمنها الطاقي للمستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية، وللمصانع والمنشآت التجارية بشكل مستمر ودون انقطاع أو تذبذب على مدار العام، وذلك بالاستيلاء على مصادر الطاقة في فلسطين، بما فيها مصادر الطاقة المتجددة ومنع الفلسطنيين من الاستفادة منها. مع العلم انه حسب الدراسات تتعرض فلسطين للشمس 360 يوما في السنة. فيما تستمر اسرائيل بإبرام اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة مع العديد من دول الجوار، وبالتنقيب عن البترول برا وبحرا، وبالمقابل تعاني معظم المناطق الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وما زال 118 تجمعا يعاني من عدم الربط بشبكة الكهرباء العامة.
ولا يتوقف احتكار اسرائيل لانتاج الطاقة عند هذا الحد، فعلى الرغم من حديث اتفاقية أوسلو عن التفاوض لنقل مسؤولية توليد الكهرباء للحكومة الفلسيطنية، لم تمنح هذه المسؤولية حتى الآن سوى لقطاع غزة، وذلك بموجب خطة فك الارتباط لسنة 2005. ومع ذلك لا تسلم محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة من استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي لها، مما ألحق بها أضرارا جسيمة. فالإحتلال الاسرائيلي يقوم بتقويض أية فرصة للنهوض بقطاع الطاقة قي فلسطين، ومن ناحية أخرى فإن المستهلك الفلسطيني يشكل مصدرا مهما لدخل شركة الكهرباء الاسرائيلية، بل تتبع اسرائيل سياسة احتكار تجارة السوق السوداء بالقوة والقرصنة، ولا تستند لقانون بمعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع الفلسطينيين، وتعرقل اي استفادة ممكنة للفلسطنيين بثرواتهم الواقعة حتى في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية.
وتحدّت اسرائيل قانون البحار الدولي، والذي يعطي الحق للدول بالاستثمار في مياهها الإقليمية التي حددت بـ 200 ميل بحري، فمنعت السلطة الفسلطينية من الاستفادة من حقل الغاز الفلسطيني، الذي اكتشف نهاية التسعينات في مياه البحر المتوسط ، على بعد 36 كيلومتراً غرب قطاع غزة، وتم بناء الحقل عام 2000 من قبل شركة الغاز البريطانية (بريتيش غاز)، ويحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تكفي لسد احتياجات الضفة الغربية وقطاع غزة، وكفيل بأن ينعش قطاع الطاقة والاقتصاد الفلسطيني لسنوات طويلة، وهنا يطرح السؤال عن كيفية تحقيق الانفكاك الاقتصادي، كإحدى الأولويات الوطنية الفلسطينية، اذا كانت فلسطين تستورد الطاقة من اسرائيل بنسبة 87%، وهذه نسبة كبيرة جدا، وتجعل موضوع الانفكاك الاقتصادي عن اسرائيل صعبا، بل تعزز التبعية لاسرائيل.
وتحكّم اسرائيل بالطاقة، يعيق عمل الكثير من القطاعات ووصول الخدمات الى المواطنين، فقد حذر تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية من أن انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة، لأكثر من 8-12 ساعة، سيؤدي إلى كارثة إنسانية، نتيجة نقص الوقود لتشـغيل المولـدات الكهربائيـة فـي المستشـفيات ومراكـز الرعايـة الأوليـة، بالإضافة لوجود 76,134 أســرة لا تحصــل علــى ميــاه الشــرب الآمنــة، نتيجة قطع الكهرباء عن مضخات ومحطات توليد المياه والصرف الصحي، بالإضافة الى القصص المأساوية والوفيات بين فترة وأخرى نتيجة اندلاع الحرائق في المنازل، أثناء إضاءة شمعة خلال فترة انقطاع التيار الكهربائي. عدا عن ذلك، يشكل شراء خدمة الكهرباء عبئا ماديا للأسر الفلسطينية التي تنفق 15% من متوسط دخلها على شراء الطاقة، وهو خمسة أضعاف ما ينفقه سكان لبنان والاردن.
أخيرا، فإن تحقيق تنمية مستدامة، وضمان مصادر موثوقة للطاقة، لا يمكن تحقيقه طالما أن اسرائيل تتحكم بقطاع الطاقة الفلسطيني. والمطلوب أن تقوم فلسطين بالعمل على الحشد الدولي لدعم مطلبنا بالتخلي عن اسرائيل كمصدر وحيد للطاقة، وفضح سياسة الاحتكار الاسرائيلية للطاقة وانتهاكاتها للقانون الدولي. فقطاع الطاقة قطاع سيادي ولا يمكن أن تقوم دولة فلسطينيةـ إذا كانت اسرائيل تتحكم بأهم مفاصل الحياة في فلسطين، وتتحكم بالتيار الكهربائي فيها.