الكاتب: د. مصطفى يوسف اللداوي
يزعجهم صوتها، وتقلقهم مواقفها، وتربكهم تصريحاتها، ويغيظهم دينها، ويثير حفيظتهم حجابها، وقد أغضبهم انتخابُها، وأقض مضاجَعهم اختيارُها، وضاقوا ذرعاً بجرأتها، وحارهم كثيراً اندفاعها، وأخرجهم عن طورهم متابعتها، وأثار حنقهم انتهازها كل منبرٍ لمهاجمتهم والنيل منهم، فهي لا تتردد في التصدي لهم، والوقوف في وجههم، وانتقاد سياستهم، وتعرية مواقفهم، وفضح ممارساتهم، وانتقاد السياسات الأمريكية المؤيدة لهم والداعمة لعدوانهم.
وهي لا تكف عن مطالبة إدارتها بمراجعة سياساتها تجاه إسرائيل، والتوقف عن تصدير الأسلحة لها، وممارسة الضغط عليها لكف يدها عن العدوان، ووقف ظلمها للشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، والمصادرة حقوقه، والمهانة كرامته، والامتناع عن تصديق الرواية الإسرائيلية والدفاع عنها، حتى غدت لكثرة وقفاتها، وحدة تصريحاتها، وعلو مقامها كنائبٍ عن الحزب الديقراطي، محامي فلسطين بامتياز، والمدافعة عنها بكل شجاعةٍ أمام مختلف المحافل الأمريكية.
إنها النائب عن الحزب الديمقراطي الأمريكي إلهان عمر، التي تكاد تكون الوحيدة إلى جانب زميلتها الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، اللتان تدافعان عن القضية الفلسطينية، وتتصديان للسياسات الإسرائيلية، وتتعرضان للتنمر والهجوم من اللوبي الصهيوني وأنصاره في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن صوتها هادرٌ، ورأيها حرٌ، وتصريحها يجلجل، وموقفها يحرج، ولا تعوزها الجرأة في الظهور، ولا القوة في الحضور، ولا يشعرها بالضعف أصلها العربي الصومالي، وأنها مهاجرة مسلمةٌ مجنسة، أو أنها امرأة في مواجهة الكيان الصهيوني المدجج بالمناصرين والمدافعين، أو محاججة المؤسسات الأمريكية والتأثير عليها.
غضبت الحكومة الإسرائيلية منها، واغتاظت من مواقفها الجريئة وتصريحاتها المثيرة، فأعلنت أنها شخصية غير مرغوب فيها، وأنه من غير المسموح لها الدخول إلى كيانهم، ولو أنها نائبٌ في مجلس النواب الأمريكي، وصبوا جام غضبهم عليها، فاتهموها في ولائها للولايات المتحدة الأمريكية، وشككوا في قسمها، وأشاعوا أنها حنثت فيه ولم تلتزم به، وأنها تعادي السامية وتؤيد الإرهاب، وتدعو إلى الفوضى وتحارب السلام، وحرضوا عليها زملاءها النواب، وحاولوا الوقيعة بينها وبين البيت الأبيض، وشوهوا صورتها وحرفوا تصريحاتها، ومنعوا وسائل إعلامهم من التواصل معها، وتغطية نشاطاتها، أو تسليط الضوء على تصريحاتها، وألزموا مناصريهم بعدم الاهتمام بصفحاتها الخاصة، والامتناع عن إعادة نشر تغريداتها بغض النظر عن محتواها وموضوعها.
لكن إلهان عمر، المؤمنة برسالتها، والواثقة من نظرتها، والصادقة مع نفسها، والمخلصة لضميرها، والمتصالحة مع ذاتها، والملتزمة بدينها، والمؤدية فرضها، والمحافظة وسط الرياح الهوج على حجابها، والعالمة أن نصرة الحق واجبة، ومساندة المظلوم فرض، ومجابهة المعتدي التزامٌ، لم تخضع للابتزازات الصهيونية، ولا للضغوط السياسية، ولم تضعف أمام محاولات تشويهها وسحب الثقة منها، أو عزلها وحصارها، بل مضت على مواقفها، وأصرت على مبادئها، ولم تهن في مواجهة الكيان الصهيوني وتحدي قرارته.
فقد أعلنت في آخر مواقفها المناهضة للسياسة العنصرية الإسرائيلية، إدانتها الشديدة لقرار وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، اعتبار ستة من مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، والهيئات الخيرية، كياناتٍ إرهابية، ونددت بقرار إغلاقها، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن قرارها، والتوقف عن ممارساتها الاستفزازية بحق المواطنين الفلسطينيين، التي اعتبرتها ممارساتٍ عنصرية عدوانية، تستهدف هوية الشعب الفلسطيني ووجوده، ودينه ولغته، وانتماءه وحضارته، فضلاً عن أرضهم وحقوقهم وممتلكاتهم، وطالبت الإدارة الأمريكية بموقفٍ مسؤولٍ إزاء السياسات الإسرائيلية التي تستهدف شعباً بكامله، وتعرض حياة أبنائه وأجياله للشتات والضياع.
لا تتورع إلهان عمر عن وصف الكيان الصهيوني، بأنها دولة فصل عنصري بغيظ، وأنها تتلقى الدعم بالسلاح والمال من دول العالم رغم معرفتهم بسياستها العنصرية، وقصفها الوحشي للشعب الفلسطيني الأعزل البريء، وأن سياستها تضر بالأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تفسد علاقاتها مع كثيرٍ من دول العالم، التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، ووجوب استعادة الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة.
عرف عن أوهان عمر تصديها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ونقدها لتصريحاته وإدانتها لسياستها، واعتبرته شخصية مثيرة للجدل، وأنه يتسبب في خلق العنف والفوضى في أكثر من مكانٍ في العالم، وعارضت مشروعه الذي عرف في حينه بصفقة القرن، واعتبرتها انحيازاً أمريكياً سافراً وباطلاً للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني.
لا تتردد أوهان عمر في دعم المنظمات المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني، وتؤيد منظمة BDS وترفض أي إدانة لها أو اتهام لعملها، وتدعو الإدارة الأمريكية إلى تأييدها وعدم الاعتراض عليها، والعمل على معاقبة الحكومة الإسرائيلية على سياساتها الاستيطانية المخالفة للسياسة الخارجية الأمريكية المتبعة منذ سنواتٍ طويلةٍ، والوقف الفوري لكافة أشكال الدعم المالي والمادي لها.
تشيد أوهان عمر بالديمقراطية الأمريكية، وبالعدالة التي تتميز بها، ومتابعتها لقضايا حقوق الإنسان في أكثر من مكانٍ في العالم، وتستغل تصريحاتها بهذا الشأن، لدفع الإدارة الأمريكية لتحريك منظمات حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم ذات الاختصاص، إلى التحقيق في الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتقديم المدانين من قيادتهم إلى منصة القضاء العالمي.
يحاول بعض النواب الأمريكيين اليهود من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، توجيه انتقاداتٍ شديدةٍ لأداء وتصريحات أوهان، واتهامها بمعاداة الديانة اليهودية والتطاول عليها، وقد دفعوها أكثر من مرةٍ لتعديل مواقفها، وتلطيف تصريحاتها، لكنها سرعان ما تعود إلى مواقفها الأصلية ومعتقداتها السياسية الأولى، تجاه الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، فتؤكد رفضها وإدانتها، ولكنها تؤكد احترامها لليهودية كدين وتعترف بها.
قد يكون في العالم الكثير من أمثال أوهان عمر، ممن ينبرون للدفاع عن القضية الفلسطينية، ويتصدرون لمواجهة السياسات الإسرائيلية، ولكن علينا نحن العرب والفلسطينيين، أن نحسن عرض قضيتنا، وأن نرسم صورةً مقبولةً لها، وأن نتفق فيما بيننا، وألا نخذل بخلافاتنا وانقساماتنا الأصوات الحرة والضمائر الصادقة، لتتحول مواقفهم إلى ظاهرة دولية، تقلق العدو وتخيفه، وتطمئن الشعب الفلسطيني وتريحه.