الكاتب: منيب المصري
أؤمن بالمثل الشعبي القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت زمام أمرك"، وهذا ما يؤشر له خطاب الأخ الرئيس أبو مازن خلال اجتماع القيادة الذي عقد أول أمس (24/10/2021)، فشعرت خلال استماعي للأخ الرئيس بأنه يضع ملامح رئيسية لخطة عمل للمرحلة المقبلة داخلياً وخارجياً وعلى صعيد العلاقة مع إسرائيل، التي أوغلت في سياساتها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، فجاء خطاب الرئيس مكملاً لما قاله في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المنصرم، مما يؤكد عزمه على انتهاج سياسات جديدة فيما يتعلق بالوضع الداخلي الواجب إعادة ترتيبه بما يخدم الهدف الأساسي وهو التحرر وبناء الدولة، وأيضاً تجاه إسرائيل، وفي العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبها بإعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية، وإعادة افتتاح ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإنهاء حصارها المالي الذي فرضته الإدارة الأمريكية السابقة على السلطة الوطنية الفلسطينية.
إن إشارة الرئيس إلى ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بحل الدولتين يؤكد بشكل لا يقبل الشك بأن الفلسطينيين متمسكين بحقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، وأنهم متمسكون بالمقاومة الشعبية بعد أن أكد على ضرورة تعزيزها وهذا يعني أن هذه المقاومة السلمية مدعومة سياسياً وهي على أولى أجندات القيادة، وصولاً إلى حقوقنا المشروعة.
وأنا كأحد الأشخاص الذين شاركوا في اجتماع القيادة، ضمن وفد هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام، أقول بأن تعزيز ثقة الشارع الفلسطيني بقيادته أمر مهم وضروري لأن دولة الاحتلال لا تفهم سوى لغة القوة، وقد نصل في مرحلة ما من المقاومة الشعبية إلى عصيان مدني شامل يتطلب التفاف الجميع حول القيادة وتحمل تبعات كل ذلك من خلال ايمان الجميع بأننا في خندق واحد وأن الاحتلال يستهدفنا جميعاً دون تفريق، مما يدعونا إلى القول بضرورة العمل فوراً على إنهاء الانقسام، والذهاب نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن كل أطياف الشعب الفلسطيني، وتعزيز مشاركة الشتات في الشأن العام الفلسطيني.
إن ما قاله الرئيس في خطابه أثناء اجتماع القيادة، يعبر عن ضمير وتطلعات الشعب الفلسطيني الذي عانى وما يزال يعاني من تبعات وعد بلفور المشؤوم الذي هو أساس كل ما أصاب الشعب الفلسطيني، من تهجير وقتل وتدمير، لذلك ومن أجل ترجمة فعلية وعلى الأرض ليشعر الفلسطيني بأن قيادته تحمي ظهره، وتستثمر تضحياته، لا بد من تشكيل لجنة متابعة لترجمة ما قاله الرئيس في خطابه على شكل خطة عمل وتحرك وطني بسقف زمني لإنهاء الانقسام ودحر الاحتلال، فخطة من هذا القبيل وتحت عنوان "خطة إنهاء الانقسام ودحر الاحتلال"، لا شك بأنها تنال موافقة الكل الفلسطيني، وتأييد المجتمع الدولي، وبخاصة أننا نتحدث عن مقاومة شعبية سلمية، تتسلح أساساً بغطاء شعبي وقانوني، وتضامن عربي ودولي، ويشارك في صياغتها والعمل على تنفيذها كل مكونات الشعب الفلسطيني على أساس الشراكة التامة وعدم التفرد بالقرار.
أعتقد جازماً أن اجتماع القيادة هذه المرة يختلف في جوهره ومضمونه عن الاجتماعات السابقة من حيث التوقيت والحاجة والجدية والتصميم في الذهاب نحو إعادة ترميم الذات، للانطلاق نحو الفضاء العربي والدولي شعبياً ورسمياً، واستنهاض كل مكنونات القوة لدى الشعب الفلسطيني ومناصريه في كافة أنحاء العالم، وهذا ما لمسته بشكل جدي لدى الجميع من منطلق أن الوضع الذي وصلنا إليه لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار، والاعتماد على الآخرين، فنحن نقول للأخ الرئيس نحن معك فاحسم الأمر، فما حك جلدنا مثل ظفرنا ولنتولى نحن زمام أمرنا.
لقد استمع الأخ الرئيس وجميع الأخوة المشاركين في اجتماع القيادة لما تم طرحه من قبل هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام، فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، وإنهاء الاحتلال، حيث قامت الهيئة بإعداد وثيقتين في هذين الموضوعين، وكان هذا الطرح يتناغم مع ما طرحه الأخ الرئيس، ويتناغم مع المداخلات التي قُدمت أثناء الاجتماع، وهذا يعني أن الكل متفق على ضرورة إنهاء الانقسام كشرط رئيسي وأساسي لإنهاء الاحتلال، ولكن نحن بحاجة إلى إرادة سياسية وتغليب المصلحة الوطنية العليا على اي مصالح أخرى، وهذا ما لمسناه في الاجتماع، ومن هنا أكرر القول لأخي الرئيس أبو مازن: سيادة الرئيس: نحن معك فاحسم الأمر، فلم يعد لدينا ما نخسره سوى القيود التي فرضها الاحتلال علينا.
الأخ الرئيس اثلج صدري أنكم أشدتم بما نعمل عليه فيما يتعلق بمقاضاة حكومة بريطانيا على إصدارها لإعلان بلفور المشؤوم، ولم يكن لدي أي شك بأنكم تدركون أبعاد هذا الوعد ومعناه القانوني والسياسي والتاريخي، وكيف أثر ويؤثر على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وبخاصة أننا نقترب من الذكرى المئة وأربع على إصداره، ونعمل على أن تكون هذه الذكرى الأليمة يوم حزن وطني في الداخل والخارج، ولدينا خطة لإحياء هذه الذكرى من خلال أنشطة احتجاجية سلمية وحضارية أمام الممثليات الدبلوماسية البريطانية حول العالم، وبخاصة في القدس عاصمة دولتنا العتيدة، وفي قلب لندن أيضاً، ونأمل أن يتم اعتماد يوم الثاني من نوفمبر من كل عام كيوم حزن وطني ويوم لإبراز ما فعله هذا الإعلان من مآسي بحق الشعب الفلسطيني.
الأخ الرئيس، ليس ببعيداً عنكم أن تحسموا الأمر باتجاه إنهاء الانقسام فوراً، بيدكم القرار وعندكم الإرادة لفعل ذلك، والجميع ينتظر منكم هذه الخطوة التي سيسجلها لكم التاريخ بماء الذهب، لأنكم قطعتم على أعداء الشعب الفلسطيني الطريق نحو تعميق الانقسام وجعله وعد بلفور بنسخة جديدة وبأيدي فلسطينية هذه المرة، فالانقسام هو مقتل للكل الفلسطيني، وإسرائيل هي الرابح الأكبر من استمراره، فلنأخذ بكل الأسباب التي توحدنا، ونذهب نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تعترف بقرارات الشرعية الدولية، فهذا يكفي لأن تنال اعتراف العالم بها، وأنتم أخي الرئيس تعلمون بأن إسرائيل كحكومة، وإسرائيل كأحزاب لم تعترف لغاية الآن بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وتعمل كل يوم على الأرض من أجل إنهاء حل الدولتين، فهي ضمت على قرابة 78% من مساحة القدس الشرقية، وقرابة 30% من مساحة الضفة الغربية، وهي فعليا تسيطر على قرابة 65% من مساحة الضفة الغربية وتعمل على ضمها بشكل صامت، فلا يعقل أن نفرض على أنفسنا شروط تعيق وصولنا إلى طي صفحة الانقسام، والاتفاق على برنامج وخطة عمل لإنهاء الاحتلال.
الأخ الرئيس، كلنا يعلم بأنكم تتمتعون بمصداقية عالية داخليا وخارجيا، ولكم محبة واحترام كبيرين وقادرون على الفعل والتأثير، وتملكون أوراق قوة داخلية وخارجية، واعتراف 142 دولة بدولة فلسطين، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والوضع الداخلي لا يحتمل مزيداً من الانتظار، ففعلها يا سيادة الرئيس ولنذهب إلى ترجمة خطابكم بخطة عمل شاملة ومتفق عليها ونحن جميعاً خلفك.