الخميس: 19/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

لأميرة المدينة السمراء الساكنة بثنايا الوجع

نشر بتاريخ: 27/10/2021 ( آخر تحديث: 27/10/2021 الساعة: 10:37 )

الكاتب: يونس العموري

تقدم ايها الموت وخذ حصتك وارحل، تقدم ايها الموت وجها لوجه ولا تكن مباغتا واحصد ارواحهم فقد ملوا المطاردة ، وملوا الرحيل ، وايها الحطابون البسطاء اوقدوا النيران في خيامكم واعتلوا قمة أحد ولا تأبهوا للغنائم واعلموا ان الموت قادم اليكم فموتوا بهدوء، وافسحوا المكان للشيطان بان يسود فهذا ليس عصركم ومن الممنوع عليكم ان تعتاشوا وتحيوا في كنف اطواق الياسمين وزهر اللوز، انتظروا الموت كما تشتهون ولا تخجلوا من هزيمة القيصر فهو امير الجبناء ولم يكن يوما نبيلا من النبلاء او فارسا يمتطي صهوة اليمامة الزرقاء ، كان يختفي خلف معاناتكم وبليلكم يتغنى ولا تفرحوا كثيرا لرحيل القيصر فخلف موت كل قيصر، قيصر جديد وجبان اخر يتاجر بأحلامكم ويحاول ان يستصرخ عطفكم …

ايها البسطاء الجالسون في الطرقات الوسخة اطردوا جميلاتكم من المكان حيث انهن سبايا العصر الجديد وعتقوا خمركم فجند الصدفة سيعبرون المكان وان كانوا بالضاد ناطقين ومخططات (هينبال) لم تجديكم نفعا فقد خانوه جنرالات وامراء الحرب وتجار ليالي المدائن العتيقة، اعلموا ان تكبيراتهم لن تعلوا بفضل موتكم وقتلكم سيحدد مسار موتهم وقتلهم ونهايات احلامهم …

ايها الليل انتظرهم قليلا ليلتقوا مع جميلاتهم وامنحهم القليل من الموت قبل ان تعلن عن موعدهم مع النوم الابدي في كهوف مكفهرة باردة ، فالله سيعلن عن موتهم ايضا وارادة البسطاء من ارادة الرب ، وهم التواقون لإغفاءة ولو قليلة على اكتاف الحبيبة ، والخنساء ستطأطئ رأسها احتراما واجلالا للثكالى اليتامى الضائعين الهائمين على وجوههم ورقعة الجغرافيا المسماة بالوطن ستظل كما هي دون ان تختفي الجبال وقلاع البحر ستستقبل الاساطيل من جديد بصرف النظر عن المُنتصر وذاك المهزوم وبحر عكا امواجه ستظل تلاطم اسوار القلاع العتيقة واسوارها ستظل العصية على نابليون وسيرجع يجرجر اذيال الهزائم ، وللنصر وجهان ، والرقيق والسبايا هم سادة وسيدات القبائل المهزومة على أطراف القبائل المتناحرة وتاج كسرى سيتوج الرأس المعممة بالوشاح الاسود وصغار القوم بأطراف المدينة الجديدة سيحاولون ان يعتلوا اسطحة منازلهم مكبرين مهللين متضرعين للرب بان يحمي عرينهم ….

كان لها سادة وامراء ، يعرفون بالضبط الغازها ، وللمدينة رموزها ، تفككها اميرة سمراء سكنت بثنايا الوجع والفرح ، وسكنها الجنون، وأرخى بستائره ، بكل لغاتها تبحث عنه، وتتأوه تحت ضربات القسوة، تعايش لحظتها، وتبكي شقاوتها، تصرخ بوجه رجولة تائهة، تضيع في ظل خربشات الغازه، وتبحث عنه بعيون عشاقها، تفتح ذراعيها للقادم من بعيدها، وتسكنه بين ضلوعها، وتصمت عن الكلام، وتستمع لأبجديات القصة من جديد ، يا عاشق القصة، وناظم الحكاية، والمسافر مع الغمام، والمناجي للرب، والمنكسر عند نظرة عينيها، ألقى عليها بعضا من مزاميرك وامضي ، فلا وقت للبكاء على اطلال الحكاية ، التي أضحت سراب ، وصارت جزء من اساطير حكايات المدينة التي تختفي خلف كوابيسها في اللحظة الفارقة ما بين هويتها وعنوانها الذي كان ان تمنطق بلغة يعرفها من كان يختبئ بزواريبها وازقتها باحثا عن حقيقته ، ومن اعلن عن عشقه بوضح النهار مجاهرا مكابرا مكبرا بأسمائها ، واعلن عن قدومه وسط زيف من ادعى زورا انه سيد المدنية وحامي عرينها ، ولعلها الحقيقة الراسخة التي لابد من ان يعيها الجميع دون تأويل او تخريب او تشويه ، فالمدنية هي التي تختار سيدها واميرها وهي من تعلن عن أمرئها وسادتها وتلفظ كل من جاء على صهوة المرسوم والفرمان الممهور بتوقيع فخامة سيد اللحظة الفارقة والصدفة القاتلة. والعابرة للمكان والزمان تعلنها بالرفض المكلل بالتمرد على فرمانات السلطان، وهي اميرة القلاع العظيمة المُنتصبة بكل شموخ تصرخ بلغة تعرف ابجدياتها منذ ان كانت.

تحت جنح الليل تتسلل حواريها ، والغاصبون نائمون ، وتهرب من أزقة الحواري العتيقة، فالليلة يغريها الرحيل، على متن موجة آتية من بعيد ، وتسير بدرب المسيح ، باحثة عن وجودها وحقيقة فعلها ، وعبثية عيشها ، وفي باحات المسجد العتيق تبتهل لإله الكلمة الأولى، وهناك عند صخرة الرب تتكور جالسة ، وهي الناسكة المتعبدة ، تقص على مسامعها عذاباتها ، وتسترق السمع لآهاتها ، وتنوح نواحها الشجي الحزين ، لتطرب قلوب الحزانى ، فللحزن طربا وموسيقى ، و ستمتطي صهوة الريح ، وستحط بأنفاسها بليل أطراف المدينة ، فليل كل المدائن واحدا وليلكِ غريب...

الأميرة السمراء كان لها القرار، والقرار هنا لها وحدها دون غيرها ، وكانت ان ضبتطها الفراشات وهي محلقة بسماء غمامها ، وأمسكت بها الريح وهي تعلو فوق سطح احلامها ، وقالت لها الحكايا اقاصيص من عبروا ، ووردة بيضاء على جسد حقيقتها تفوح بريحها ، وتكشف عن لوعتها ، وتسافر واياها نحو حكايتها ، وألياذتها ، وفصول كتابها ، وسطور تكتبها على جدران المدينة الرابطة على تلة التاريخ ، ومنذ ان عرفتها ، ومنذ ان سكنت وجدانها ، وتربعت على عرش الرواية للمدينة المُنتصرة المهزومة والمنكسرة والصامدة والمتناقضة والعابثة بسردية الأسطورة ، هي من قالت للشمس انا هنا فأسطعي متى شئت وغيبي متى اردتي، وهي من حفرت اسمها بكل طرقات ودروب عاشقة تهوى الليل ، هي من يسكنها الليل ، هي الشقية ، العابثة دوما بليلها ، وتقض مضاجع من يعبث بيومياتها ولحظات سكون امسياتها بحضن البيوت المتلاصقة ، وهي من تقتحم احلامهم ، وتسكن مرثياتهم ، .هي من ترسم صورها وصورهم بكل لوحاتها ، وهي الأن تستعد للرحيل ، وتريده رحيلا بلا نحيب او عويل ، فيا ايها الشقي ، يا من كنت سيد الرجال ، انت الأن اصغرهم ، وغلام من غلمان القصر ، وقد عدت الى حقيقتك ، فحينما يغادرك الصدق مع الذات ، .تصبح بلا عنوان ، وتصير جافا ، وحينما تصبح العاجز عن حماية وحراسة احلامها وبيتها ، ويصير المباح اشواكا تزعج مناماتك ، وتغزوا الأحزان ذاتها، وقلبها يصبح مملكة لدمامل مرثياتها ، يا سيدي انت الأن تتكور على ذاتك ، ولربما ستعلن عن انتهاءك ، وحتما ستعود الى جحرك ، بلقبك الجديد الممهور بتوقيع كبير سدنة المشعوذين ، لتباشر بممارسة فعل الحياة ، وحراسة البيت المهجور وقرنفلة حمراء ذابلة بفناءه كانت الشاهدة الشهيدة على مذبحك ، ولتجثو عند قبر حقيقتك ..