زاهر أبو حمدة
استعادت القيادة الفلسطينية طرح فكرة الدولة الواحدة بعد فشل خيار حلّ الدولتين. يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس: "رفض إسرائيل حلّ الدولتين يفرض على الفلسطينيين الذهاب إلى خيارات أخرى، كالعودة إلى المطالبة بقرار التقسيم للعام 1947 أو الذهاب إلى الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية، التي تتحقّق فيها الحقوق السياسية والمدنية الكاملة للفلسطينيين". صحيح أنّ هذا الطرح ليس جديداً، لكن إمكانية تحقيقه تبدو مستحيلة لأنّ دولة الاحتلال التي أقرّ برلمانها قانون القومية اليهودية عام 2018، لن تسمح للمساواة بين مواطنيها من دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الدين.
تغيّرت الأمور على الأرض بتمدّد الاستيطان والهيمنة الإدارية والأمنية، ويحاول الاحتلال تغيير ما تحت الأرض عبر الحفر تحت المسجد الأقصى وجرف المقبرة اليوسيفية وغيرها من الخطط التوسّعية. وبما أنّ الفلسطيني فوق أرضه يمكنه إدامة الاشتباك مع المحتلّ، لكن حتى الآن لم يستطع تغيير الواقع وترجيح كفة القوة لمصلحته، وبالتالي لا يمكنه طرح أفكار وتسويقها إلا إذا امتلك المبادرة من مبدأ القوة وليس الضعف. وبالتالي خيار الدولة الواحدة لا يمكن التفكير فيه أصلاً مع أنه من الناحية العملية مهم جداً، لا سيما إذا كان حقيقياً وليس للضغط السياسي.
معروف أنّ حلّ الدولة العلمانية الواحدة سبق النكبة وكان فكرة يهودية في عشرينات القرن الماضي، حين كان اليهود ضعفاء ويشترون الوقت لاحتلال كل الأرض وتشريد أهلها، فطرحته منظمة "بريت شالوم" اليهودية. وتتأرجح الفكرة بين طوفها إلى السطح أحياناً، وكثيراً إلى عمق النسيان في خلال أكثر من 70 عاماً بين رافض ومؤيّد إسرائيلياً وفلسطينياً. لكنه بقي برنامجاً لجزء من اليسار الفلسطيني والإسرائيلي، لكن تثبيته كحل نهائي للقضية لم يُوافق عليه من أصحاب القرار. ولأنّ الحلّ في الأصل ليس محلي الصنع بالمعنى السياسي، لا بدّ للولايات المتحدة أن تتبنّى هذا الخيار؛ وهذا في الوقت الحالي صعب، لا سيما أنّ إدارة جو بايدن، لا تزال تتحدث عن حلّ الدولتين مع ضمانات كبرى لإسرائيل. والأهم أنّ الاحتلال لن يقبل التحدّث بالفكرة أساساً وليس تطبيقها، لأنّ خيار حكام إسرائيل هو اللادولة للفلسطينيين. فالحكم الذاتي لن يكون ذاتياً بل سياسة الضم والتوسّع هي الأساس من دون الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وعليه يجب أن يفكر الفلسطينيون بخيارات ضاغطة، ليس لتحريك محادثات سياسية بل لانتزاع الحق. وهنا يمكن لعباس، أن ينفّذ تهديداته بسحب الاعتراف بدولة إسرائيل ووقف كل المعاهدات والاتفاقات مع الاحتلال. وهذا سيحصل مع الأيام المقبلة، لأنّ الشارع الفلسطيني ليس مضمون الاتجاه في تحركاته، لا سيما أنّ الحصار المالي للسلطة سيقرّب موعد الانفجار. ويكفي أن نقرأ ما نشره جهاز الشاباك الإسرائيلي حول الوضع الميداني في الأشهر الخمسة الماضية، لمعرفة أنّ السياق ليس كما يتصوّره صنّاع القرار في إسرائيل. فقد كانت الذروة للعمليات في الضفة الغربية في شهر أيار خلال معركة "سيف القدس"، إذ سجّل أكثر من 400 هجوم على المستوطنين وقوات جيش الاحتلال، وفي الأشهر التالية حدث انخفاض تدريجي وسجل 109 هجوم في يونيو/ حزيران و97 في يوليو/ تموز و92 في أغسطس/ آب. وعلى عكس هذا الاتجاه التنازلي، حدثت زيادة كبيرة في سبتمبر/ أيلول بعد حادثة الهروب من سجن جلبوع، إذ سجّل 199 هجوماً منها 5 طعن و9 إطلاق نار و17 إلقاء عبوات متفجّرة وعشرات حوادث إلقاء مولوتوف. هذا يعني أنّ حدثاً واحداً مؤثراً سيكون منعطفاً ميدانياً وسياسياً، ولطالما كان الشعب الفلسطيني مبتكر المفاجآت.