الإثنين: 20/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

البلدة القديمة في مدينة الخليل ما بين الاستيطان واعادة الاعمار

نشر بتاريخ: 01/11/2021 ( آخر تحديث: 01/11/2021 الساعة: 12:16 )

الكاتب: رولا سلامة

بحسرة كبيرة وعيون دامعة، وعقل لا يكاد أن يصدق ما تراه الأعين، سجن داخل سجن، محاط بسجانين من كل النواحي، أطفال ممنوعون من اللعب والركض والتحرك براحتهم، اباء وأبناء مجبرون على المرور بحواجز احتلالية مذلة ليل نهار، يقرب عددها من المائة منتشرة حول المسجد الابراهيمي الشريف في مساحة لا تزيد عن واحد كيلو متر مربع ، تخيلوا أننا نتحدث عن البلدة القديمة في مدينة الخليل .
وهنا أيضا، عائلات مسجونة بأقفاص لا تشبه المنازل مطلقا، أزقة وشوارع ضيقة، مغطاة بشباك لتحمي كل فلسطيني يمر من هناك من حجارة أو قاذورات يرميها المستوطنون على رؤوسهم، خوف وذل وتفتيش وترهيب للأطفال في طريقهم الى المدرسة ومنها الى المنزل، وعقاب جماعي يمارس على كل من قرر أن يبقى داخل منزله بالبلدة القديمة في مدينة الخليل .
هنا، في البلدة القديمة في الخليل، ترى من الذل والقهر والاحباط ما لا تصدقه، فمثلا، قرر الاحتلال في العام 1994 وبعد مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف، والذي استشهد فيها 29 فلسطينيا برصاص مستوطن حاقد، واصيب 120 اخرين برصاص الاحتلال ومستوطنيه، قرر الاحتلال أن يغلق شارع الشهداء، الشارع الحيوي الأكبر والأكثر نشاطا داخل البلدة القديمة بالخليل، في خطوة تهدف الى تهويدها والاستيلاء عليها وتهجير سكانها، واحلال المستوطنيين مكانهم، وهي سياسة يتبعها الاحتلال منذ أن وطأت أقدامه أرض فلسطين.
وبعد المجزرة مباشرة، قررت الحكومة الاسرائيلية اغلاق البلدة القديمة وشوارعها وأسواقها وتقسيم الحرم الابراهيمي بين المسلمين واليهود، فكان أن دفع الضحية الثمن الأكبر بدل أن يعاقب المستوطن ومن معه، وكل هذا بذريعة عدم الاحتكاك بين المسلمين واليهود، وتفادي تأجيج الصراع ، وبهذا القرار، تم اغلاق حوالي 1800 محل تجاري في البلدة القديمة، وهجر قرابة 1400 اسرة فلسطينية بسبب جرائم المستوطنين وجنود الاحتلال ، وباتت أحياء البلدة القديمة بالخليل فارغة، كئيبة، لا حياة فيها ولا حركة، فتأثر اقتصادها، وزاد عدد العاطلين عن العمل، وزاد الفقر تباعا.
ولكن وبالرغم من كل هذا ، نرى في الخليل من قرر أن يواصل العمل ويسابق الزمن، وقرر أن يعيد للبلدة القديمة مجدها وعزها ،عماد حمدان مدير عام لجنة اعمار الخليل، وهي اللجنة التي تتابع عملية اعادة الاعمار، وتنشط بشكل لافت للنظر، بصماتها ونشاطها ونجاحاتها المتعددة في ترميم المنازل والحفاظ عليها بادية للعيان، يقول: بدأنا بالعمل قبل أكثر من 25 عاما، قمنا بعمليات الترميم للمنازل والمحال التجارية والمدارس والمساجد والحرم الابراهيمي الشريف، وأيضا العيادات الصحية والمختبرات والحدائق والقطاع السياحي وأخيرا تجهيز المتحف وافتتاحه" .
ويضيف السيد حمدان" كل الجهات سواء حكومية أو أهلية أو قطاع خاص أو بلدية قدمت الكثير للبلدة القديمة ، ولم تقصر أي جهة تجاه البلدة القديمة ، والان وبعد كل هذا الانجاز نحن بحاجة للمواطن في مدينة الخليل خاصة وفي محافظة الخليل عامة وباقي المحافظات للتوجه للبلدة القديمة ودعمها ودعم تجارها ، سواء بالحضور وزيارتها وزيارة الحرم الابراهيمي الشريف والأحياء جميعها ، أو للتسوق منها ودعم تجارها ودعم صمودهم ، فالسياحة الداخلية ستنعش البلدة القديمة وتثبت للاحتلال ومستوطنيه أننا هنا باقون وصامدون ومغروسون، اننا نعول كثيرا على المواطن الفلسطيني، ونريد أن نراه يتجول في البلدة القديمة باستمرار".
وفي الوقت الذي منع الفلسطيني من التحرك والسكن والعمل في البلدة القديمة بأوامر عسكرية احتلالية اسرائيلية ، انتشر المستوطنون في البلدة القديمة ، وزاد عددهم، وزاد عدد الجنود القائمين على حراستهم وحمايتهم، وقرر الاحتلال انشاء المصعد الكهربائي على مساحة 300 متر مربع من ساحات المسجد الابراهيمي ومرافقه، لخدمة المستوطنين واستغلال الحرم الابراهيمي كموقع سياحي للزوار والسياح القادمين من مختلف دول العالم ليوفروا عائدا ماليا للاستيطان.
يصر الاحتلال وضمن خططه المتعاقبة على تغيير ملامح البلدة القديمة بالخليل بشتى الطرق، وسحب الصلاحيات الادارية والقانونية من بلدية الخليل ومديرية الأوقاف الاسلامية، والتعديات المستمرة على المواقع التراثية العالمية والمسجلة على لائحة التراث العالمي المحمي لدى اليونسكو، وخططهم لتحويل الحرم لكنيس يهودي وضمها لمستوطنة كريات أربع.
ضغوط كبيرة وكثيرة على سكان البلدة القديمة في مدينة الخليل ، يواجهها تدخلات من أطراف عديدة لحماية السكان وتثبيت وجودهم، فهناك العديد من البرامج والمشاريع والأنشطة التي تمت من قبل جهات رسمية في السلطة الوطنية الفلسطينية ومن لجنة اعمار الخليل وبلدية الخليل وغرفة التجارة والصناعة ومحافظة الخليل ، ومن قبل مؤسسات عديدة منها محلية واخرى دولية ولا ننسى العربية منها لدعم السكان وترميم المنازل، والتخفيف من معاناة الاسر الفلسطينية التي قررت أن تبقى في منازلها وتحافظ عليها ، وهناك البرامج التي خصصت لدعم قطاع التجارة والصناعة، وتوفير المشاريع المختلفة لانعاش البلدة القديمة واعادة الحياة اليها.
ما المطلوب هنا من المؤسسات الفاعلة ومن الأفراد جميعا تجاه الحرم الابراهيمي الشريف والبلدة القديمة في الخليل، وكيف بالامكان تعزيز صمود سكان البلدة القديمة وتجارها، فما تم انجازه لغاية الان من افتتاح فروع للوزارات المختلفة، وتفعيل المؤسسات العاملة في البلدة القديمة، والبرامج الخاصة بتفعيل وتنشيط المهرجانات والفعاليات المختلفة ، كل هذا سيساهم في انعاش الاقتصاد ودعم التجار والأهالي جميعا ، وتثبيتهم حيثما تواجدوا.
ان زيارات الوفود المختلفة للبلدة القديمة، وتوجيه المدارس والكليات والجامعات والمؤسسات والمخيمات الصيفية والشتوية لتسيير حافلات ورحلات مختلفة لتنشيط الحركة داخل البلدة القديمة سيعيد احياءه من جديد وسيعزز من صمود أهلها ويثبتهم فيها، ويحميها من الاستيطان والمستوطنين.

الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .