الكاتب:
معتز خليل
تباينت ردود الفعل على الساحة الفلسطينية عقب تداول أنباء عن غرق عدد من الفلسطينيين من أبناء غزة على أحد القوارب المتجهة إلى أوروبا ، وهو الحادث الذي أثار جدالا واسعا على الساحة الفلسطينية بين من تعاطف مع هؤلاء المهاجرين باعتبارهم ضحايا لأوضاع اقتصادية سيئة ، وبين من أنتقد استغلال هذه القضية من قبل بعض من الجهات الإعلامية الراغبة في تسجيل نقاط ضد السلطة.
غير أن هناك بعض من النقاط التي يمكن استخلاصها جراء هذه الأزمة، أولها أن الأوضاع الاقتصادية باتت سلبية بالفعل في غزة ، الأمر الذي دفع بالكثير من الشباب إلى محاولة الهجرة من القطاع حتى وأن كانت فرص الوصول إلى الساحل الأوروبي ضعيفة ، وأن فرصة الهروب من الحياة السيئة في غزة تستحق فرصة الموت.
ويراقب سكان غزة بقلق بالغ، وخاصة أهالي الشبان الذين كانوا على متن قارب الهجرة من تركيا إلى اليونان، الأنباء التي تتردد عن الحادثة بقلق وخوف شديدين، خشية أن يكون أبناؤها الذين تركوا القطاع مؤخرا، بحثا عن فرص عمل، من بين الضحايا، خاصة وأن حوادث كثيرة تكررت في أعوام، سابقة، حيث لا يزال هناك مفقودون حتى اللحظة، ولا تعلم أسرهم عنهم شيئا.
وأثر كثيرا التسجيل الصوتي الذي انتشر لشاب نجا من حادثة الغرق، بينما كان يجري اتصالا بوالدته في قطاع غزة، في نفوس المواطنين، خاصة وأن معظم أسر غزة، لها أقارب إما في طريقهم للهجرة أو تمكنوا فعلا من الوصول إلى إحدى الدول الأوروبية بحثا عن العمل، فيما قضى آخرون في أوقات سابقة، وتحديدا في نهايات عام 2014 في حوادث غرق لقوارب هجرة غير شرعية، بسبب طمع عصابات التهريب، وكذلك عدم قدرة المراكب التي كانوا على متنها على الإبحار لمسافات بعيدة.
وفي استطلاع للرأي أجرته جامعة الأقصى في غزة الصيف الماضي، واستهدف عينة تفوق أعمارها الـ18 عاما ، وهي ما يعني انهم ثروة الوطن ، وقال 51 في المئة في هذا الاستطلاع إنهم على استعداد للهجرة خارج القطاع في حال أتيحت لهم الفرصة لذلك.
وأوضح 83 في المئة أن العامل الاقتصادي هو السبب في الهجرة، كما بينت نتائج الاستطلاع أن نسبة 73.4% يرون أنه في حال انتهى الانقسام وتحققت المصالحة الفلسطينية يمكن أن يحققوا أهدافهم دون أن يهاجروا خارج الوطن.
ولوحظ أن معدلات الهجرة تتصاعد، في ظل عدم وجود اهتمام من المستوى الرسمي، للوقوف على الأسباب، ومحاربة الظاهرة، خاصة وأنه سجل مؤخرا هجرة عشرات الأطباء من القطاع للعمل في دول أوروبية.
ورغم مخاطر الهجرة وقصص الموت في المتوسط وفي جبال أوروبا الباردة، خلال الانتقال من بلد إلى آخر مشيا على الأقدام، وهربا من الشرطة، إلا أن ذلك لم يردع أحلام الكثير من شبان غزة، وتطلعهم ليوم الخروج.
لكن حوادث الغرق هذه، وما سبقها من حوادث موت لشبان خلال رحلات الهجرة، تجعل من عوائل المهاجرين قلقة حتى استقرار أوضاع أبنائها هناك، وتظهر في ذات الوقت حجم المأساة التي يعيشها سكان غزة، والتي تدفع بخيرة أبنائه للهجرة، حيث كان من بين المهاجرين من هم حاصلون على شهادات جامعية عليا.