السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ياسر عرفات “المُقدّس”

نشر بتاريخ: 11/11/2021 ( آخر تحديث: 11/11/2021 الساعة: 18:32 )

الكاتب: زاهر أبو حمدة



قبل اغتيال ياسر عرفات، بأربعة أشهر، حاور الزميلان نبيل حاوي ومبارك البغيلي، في صحيفة “القبس” الكويتية، رئيس وفد فلسطين في مفاوضات مدريد ومؤسس “المبادرة الوطنية الفلسطينية” حيدر عبد الشافي. وفي خلال الحوار، يعترف عبد الشافي أنّ عرفات لديه أخطاء لا تُحصى. ويرد على سؤال إن كان يفضّل إقصاءه من زعامة الشعب الفلسطيني، بالتالي:
“قد يكون هناك من يطالب بإقصاء ياسر عرفات عن موقعه، وأنا ناقد لموقف وأداء عرفات، لأنّه ليس مُقدّسا، ولا يعني ذلك أن نتحمل الخروج على القانون والعرف من أجل خاطر عرفات، فهناك قانون يجب احترامه حتى لو كان ضد أبو عمار.
يُلخص عبد الشافي، إشكالية كبرى في صيرورة شعب ارتبط تماماً بإسم زعيمه وكوفيته. لكنّه يُغفل أمراً هو الأصل: “القوانين وُضعت لتُخترق إن كان غصباً أو تعديلا”. فالتعامل مع شخصية عرفات باعتبار القانون أكبر منه وأنّ “القداسة” لا تشمله يعني عدم قراءة صحيحة للشعب بشكل عام وليس لشخص أبو عمار.
نعم، الشعب يجب أن يحاسب قائده عند الخطأ، لكنّ خطايا عرفات لها سياقات ونزع السياق عن الحدث يعني أن أعوراً ينظر بعينه الكفيفة من ثقب باب. وهذا لا يعني إلغاء النقد بهدف التصحيح وليس التجريج، وبهدف البناء على التجربة وليس هدمها. وفي خلال ذكرى استشهاد عرفات السنوية وعلى مدار العام، تضرب موجة تحاذُق تركب “الترند” لتهشيم صورة “الرمز”. وهذا يعود إلى الفراغ الكبير بعد رحيل عرفات أو إلى عداءٍ باطني أيدلوجي لحركة “فتح” أو لمنظمة التحرير أو لفلسطين بشكل عام.
وفي سيرة عرفات، الكثير من العلامات الفارقة الإيجابية والسلبية. لكن أن يعمد أحدهم إلى التركيز على السلبيات والسيئات من دون الإتيان على ذكر الإيجابيات والحسنات، فيه افتراء وظلم كبيران.
وكلما هاجم “المتفلسف” عرفات، أسأله: “هل كان أبو عمار يستطيع تحرير فلسطين ولم يفعل؟”. فيَبهت ويذهب بالتفكير نحو أصل السؤال.
الإجابة لا تحتاج تفكيراً معمقاً بقدر ما تحتاج إلى شفافية والكثير من الموضوعية: كلا.
ويتبعه سؤال آخر: هل كان جورج حبش، مستضعَفاً ليقبل بعرفات ويقول جملته الشهيرة: “نختلف مع عرفات ولا نختلف عليه”؟
أيضاً الإجابة: كلا.
وهنا يجب الإعتراف أنّ من كان حول عرفات في “فتح” أو المنظمة، يتمتعون بحكمة لافتة للإنتباه، وربما لولاهم ما استمر عرفات على رأس القيادة. فبعد رحيله انقسم الشعب الفلسطيني جغرافياً وديمغرافيا، والأخطر أنّه انقسم سياسيا.
وبالعودة إلى عبد الشافي، وغيره واستكثارهم القُدسية على “الرقم الصعب”، فلا بدّ من التذكير أنّ الشعوب تفتش عن قائد لها وتُحصّن رموزها ولو كانوا مُثقلين بالأخطاء، ليس حباً بـ”الزعيم” إنّما لاكتمال النزعة الفردية وتماسك الهوية الوطنية.
كمثل تقييم الفرنسيين لنابليون بونابرت المهزوم.. وكيف يفاخر الإنكليز بونستون تشرشل، مع أنّهم أعادوه إلى البيت عبر الإنتخابات بعد قيادة بلاده في الحرب العالمية.. وهكذا فعل الفرنسيون مع بطلهم القومي شارل ديغول.. وكذلك يوسف ستالين عند الروس وماوتسي تونغ عند الصينين وغاندي عند الهنود، وبقية الشعوب. وهؤلاء جميعاً لديهم أخطاء منها كارثي، ويملكون نزعات شوفينية وإستبدادية، لكنّهم مميزون بنظر أمتهم ولهم هالة ورمزية.
وبالتالي، عرفات من العظماء ويحقّ للجميع انتقاده لكن لا يحقّ لأحد الإفتراء عليه بصفات الخيانة والصهينة وتحميله وِزر الوضع السابق والحالي والآتي للشعب الفلسطيني.