الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاستفادة من دروس الماضي

نشر بتاريخ: 20/11/2021 ( آخر تحديث: 20/11/2021 الساعة: 16:50 )

الكاتب: مصطفى ابراهيم


من المفارقات العجيبة والتي توضح غياب السيادة الفلسطينية ووهم السلطة تحت الاحتلال، وعدم قدرتها على مواجهة دولة الاحتلال الاسرائيلي، هو اجتماع الحكومة الفلسطينية في القدس.
وفِي الحقيقة ان الاجتماع كان خارج مدينة القدس حيث عقدت اجتماعها في مقر محافظة ضواحي القدس، في بلدة الرام شمالي المدينة لدعم صمود المقدسيين ولمواجهة السياسات الإسرائيلية وفقا لتصريحات رئيس الحكومة محمد اشتية.
يأتي اجتماع الحكومة اليوم الاثنين في القدس في الذكرى الـ 33 لاعلان الاستقلال، وهو ثالث اجتماع تعقده الحكومة خارج مقرها الرسمي في رام الله
قبل شهرين عقدت اجتماعها في جنين للاطلاع على احتياجاتها ومشاكلها، والخليل وخصصت الحكومة ملايين ٣٠ مليون دولار من اجل دعم الخليل الذي احتجت فعالياتها على تهميشها في ظل سلسلة من المطالبات بتحسين الوضع الأمني وبسط سيادة القانون والنظام وتفشي مظاهر الانفلات الأمني وزيادة استخدام السلاح غير القانوني.
وتشهد مدن الضفة خاصة الخليل انفلات امني خطير بعد تجدد الشجار العائلي بين عائلتي الجعبري وأبو عيشة على خلفية ثأر عائلي قديم،
‫وتجدد الشجار بين العائلتين خلال اليومين السابقين ونتج عنه اشتباكات مسلحة بالأسلحة النارية والرشاشة وفي عدة محاور من المدينة، رافقها احراق محلات تجارية ومركبات وإطلاق نار على منازل الآمنين وترويعهم، داخل المدينة وخارجها أيضاً وتعود في ملكيتها للعائلتين وعوائل أخرى أيضاً.‬
‫أن ما تشهده الخليل من احداث مؤسفة والتي تأتي في سياقات اجتماعية متأصلة، حول قيم الثأر والفعل ورد الفعل، وما لها من ضرر خطير على النسيج الاجتماعي وحالة السلم الأهلي في المدينة وفي عموم فلسطين، وتطال أيضاً حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية وممتلكاتهم، كما وتمثل تنكراً لمبادئ سيادة القانون وشرعنة العقوبات الجماعية من خلال أخذ القانون باليد.‬
الاوضاع في الضفة الغربية قاسية والسلطة الفلسطينية تعاني ازمة اقتصادية خانقة، وتوقف الدعم المالي عنها بدءا من 2017، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وقف تمويل السلطة البالغ بين 150 - 200 مليون دولار سنويا.
كما توقف الدعم العربي البالغ 250 مليون دولار سنويا،، اعتبارا من يونيو/حزيران 2020، تبعه تعليق الدعم الأوروبي البالغ 220 مليون دولار سنويا، اعتبارا من مطلع 2021.
وتبلغ مديونية الحكومة الفلسطينية للبنوك المحلية حوالي 2.3 مليار دولار، في حين لم تتلق هذا العام سوى 30 مليون دولار مساعدات خارجية، بانخفاض 90 بالمئة عن المقدر في الموازنة.
ما يجري في الضفة الغربية وتداخل الاحتلال يشبه إلى حد كبير ما جرى في قطاع غزة من انفلات امني متعمد وتداعيات ذلك على الساحة الفلسطينية وصولا للانقسام وما نعيشه من حال مأساوية واثار ذلك الكارثية شاهدة على القضية الفلسطينية.
تعاني الاراضي الفلسطينية فراغ ديمقراطي، وتقادم النظام السياسي وعدم قدرته على تجديد شرعيته في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستمرار الانقسام الداخلي وتفرد كل سلطة في المنطقة التي تحكمها وتسيطر عليها، وخلقت وقائع قانونية تخدم مصالحها للاستمرار. في الحكم.
الشرعية لا تخلق بالتفرد بالسلطة وما يسمى المشروعية الثورية وعمليا لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية تعرف على أنها حركة تحرر وطني وتقود الشعب الفلسطيني للحرية والاستقلال، فقد فرغت من دورها واهدافها لصالح السلطة التي تحكم فقط في الضفة، وتعتبر نفسها تمتلك الشرعية لقيادة الشعب الفلسطيني، مع انها فقدت شرعيتها ومشروعيتها.
ربما كان ذلك في بدايات الثورة الفلسطينية التي انطلقت في ستينيات القرن الماضي، شرعية من هذا النوع لا تخلق زعيم ولن يتمكن من القيام بالبطولة ويقود شعب تحت الاحتلال، فالزعيم الاول والرمز ياسر عرفات رحل، ولم يستطع من خلفه ان يلعب دور البطولة ولم يستفد من درس عرفات وانجازاته واخفاقاته، ولم يميز نفسه كي يكون بطل الفلسطينيين. .
البطولة ترتبط بسياقات تاريخية وعقود وتعبير عن منظومة عامة متماسكة، يقوم بها ويصنعها احرار يمتلكون مقومات وطاقات خلاقة، عبر مشاركتهم في مجتمع حر تتوافر فيه الامكانات اللازمة، والبطولة ليست صفة مكتسبة تمنح للحاكم نتيجة ضرورة ووعي زائف وغياب البدائل لانقاذ الناس او البلد من الضياع.
ما يجري في فلسطين إقصاء وتفرد والغاء التعدد والتنوع وقمع الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وفرض القيود على حرية الصحافة وتحويل الاعلام الرسمي وغير الرسمي للدعاية والتخوين لشعب يسعى للحرية، وعدم الادراك ان تكميم الافواه والتنوع والتعدد وحرية الاعلام والتعبير عن الرأي هي الدرع الحامي للقائد والنظام الديمقراطي وهي اهم الادوات لرؤية الواقع على حقيقته بدون تجميل أو تزييف.
ان الخطر المترتب على قمع الحريات وحجب الصحافة الحرة، الفلسطينيون يعيشون النكبة والهزائم ويقراون ويشاهدوا أخباراً عن انتصارات ساحقة في ميادين القتال القانونية والدبلوماسية، فيما هم يشاهدوا عكس ذلك من العزلة والوحدة والبؤس والتعاسة. وتعزيز نظام الفصل العنصري وتعميق الاستعمار الاستيطاني وسرقة الاراضي والقتل والاعتقالات اليومية والحصار . تأجيج السياسات العنصرية لحسم الصراع.
لم تدرك القيادة وهم السلطة تحت الاحتلال، ولم تتعلم من دروس الماضي والتاريخ، ولم يتعلم قسم من الفلسطينيين وهم وحقيقة القائد المنقذ، ولم يدركوا ان النظام الديمقراطي والتعددية تنتج مجتمع حر والعدالة واحترام سيادة القانون وتعزيز القيم والحريات العامة والخاصة.
الاستمرار في الحكم ووهم الشرعية الثورية والوطنية هو تجسيد للمعنى الحقيقي للدكتاتورية وعدم تحقيق اي من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستمرار الاحتلال والانقسام، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى مجموعة من القبائل يعيشوا في كانتونات معزولة ومحاصرة في مناطق سكانها محرومون من حريتهم وأدنى حقوقهم الوطنية والانسانية، وخطر تفتيت هويتهم قائم.
وفي الذكرى الـ ٣٣ لاعلان الاستقلال لم يتحقق الاستقلال واستمرار الاحتلال الإسرائيلي وما ينطوي على هذا الاحتلال من سياسات التوسّع الاستيطاني، والتهويد، وطرد سكان القدس، وحصار غزة، وسياسة الفصل العنصري، كل هذه تُبعد من حُلم إقامة الدولة.
الانقسام وتداعياته يُبعد الفلسطينيين عن نيل حقوقهم، في ظل عدم قدرة منظمة التحرير عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية، أو إعادة النظر في علاقتها مع الاحتلال.
الانقسام السياسي أدى إلى تعميق ابتعاد الفلسطينيين عن تحقيق مصالحهم وأهدافهم.