الكاتب: نادين روز علي
لا شك أننا ، نحن الفلسطينيون ، عانينا ونعاني في حياتنا أكثر من أي شعب آخر . فظروفنا مركبة ومعقدة أكثر مما يتصور البعض . وقد كانت كذلك طول الوقت منذ النكبة ، إن لم نقل قبلها .
فنحن اليوم بعضنا يفرح لنصر وبعضنا يحزن لنفس النصر. بعضنا يحزن لهزيمة وبعضنا يفرح لها في نفس الوقت . نسمع عن عملية قتل مستوطن واستشهاد المنفذ في القدس فيفرح البعض على أنها مقاومة وقد تُغيّر الحال ، ويحزن الأهل والمعارف والناس على الشهيد ، ويحزن من سيضطر إما لإغلاق محله التجاري أو سحب تصريح عمله في اسرائيل أو اعتقاله أو أو ..
الوضع مركب وحالنا مركب ، والمسألة ليست سهلة . من ناحية نريد الخلاص من الاحتلال ، نريد الاستقلال والحرية ، ومن ناحية نريد أن نعيش يومنا ونكسب قوتنا ونعلم أبناءنا ووو...
يقوم الشباب بمواجهات مع جنود الاحتلال ، فنُصاب بالنشوة ونتتبع نشرات الأخبار ، وخاصة نحن الذين لسنا هناك ، ولا بالجوار ، ولسنا من الأهل ولا من الحارة . أما في الميدان ، فتقلق الأم والعائلة ، وتغلق محال المنطقة أبوابها ، وتتم الاعتقالات العشوائية ، وقد يسقط شهداء وقد يسقط جرحى . وقد يعود البعض أو لا يعود . أي شعب مر بهذه التجربة – المحنة غيرنا ؟!
أحياناً ، وفي لحظة النشوة والغضب ، نقول : الله لا يرد الدنيا ! ولكن في لحظة ما بعد العاصفة وصفو التفكير ، نريد أن نعيش ، نعمل ، نأكل بعرق جبيننا ، نتجول ، نتعلم ، نتزوج ، نخلف الأولاد ، كباقي البشر . لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك ، وإن أنكر فهو يعلم أن غالبيتنا نسبح في هذه الحيرة دون حتى أن نناقشها بيننا وبين أنفسنا . وهذا ليس كلام صحافة أو فلسفة أو تحليل شيخ حكيم ، بل هو كلام الأب والأم في كل بيت ، كلام الشارع والناس البسيطة غير المسيسة والتي ليس لها مصلحة في شيء إلا في قوت يومها وتأمين مستقبل العائلة . أي كلام الأكثرية من شعبنا . وهذه ليست انهزامية أو إستسلام ، بالعكس ، علينا أن نعيش أيضاً من أجل وطننا والمحافظة عليه ، فالميت لا يستطيع الحفاظ على الوطن . وطبعاً أنا لا أعني " الشخص الميت " بل الشعب الميت . الشعب يجب أن يكون حياً ويحافظ على حياته . لذلك عليه أن يمارس التكتيك الصحيح من أجل الحصول على الهدف النهائي . عليه أن يغير تكتيكه وتصرفاته وفق الظروف للمحافظة ، أولاً ، على حياته واستمراريته . حياة الفرد هي حياة العائلة . وحياة العائلة هي حياة الشعب . وحياة الشعب هي حياة الوطن !
نحن نعاني من نفسية صعبة وبحاجة إلى إسعاف نفسي أولي !
وفي تقرير رسمي ، الشهر الفائت ، تشرين أول 2021 ، قدرت وزارة الصحة الفلسطينية بأن نحو مليون مواطن بحاجة للدعم النفسي من قبل مختصين، حيث تصل نسبة انتشار الاضطرابات النفسية الى 22% !! وناشدت مديرة دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية سماح جبر ضرورة أن يتم وضع الطب النفسي والعلاج النفسي على قائمة الأولويات للخدمات الصحية ، لأن مشروع التحرير هو ليس فقط تحرير الأرض وإنما تحرير العقل الفلسطيني من تبعات الاحتلال .
في عام 2008 قالت الدكتورة أورسولا هاوزر ، الـمُتخصصة السويسرية في علم النفس بعد مكوثها فترة في فلسطين : " إن الفلسطينيين أقوياء من الناحية النفسية، لكنهم الآن حقا على وشك الانهيار في ظل غياب استجابة المجتمع الدولي لمطالبهم وأسئلتهم . فقد فقد الفلسطينيون كل شيء إلا كرامتهم " . وهذا صحيح . لكننا لا نستطيع الاكتفاء بالمحافظة على الكرامة فقط ، فمن أجل المحافظة عليها علينا أن نعيش أولا ً ! ومن أجل أن نعيش علينا أن نأكل . ومن أجل أن نأكل علينا أن نعمل ..
نعم ، علينا أن نعيش أولاً !