الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إدارة أزمة كورونا والدروس المستفادة

نشر بتاريخ: 29/11/2021 ( آخر تحديث: 29/11/2021 الساعة: 19:24 )

الكاتب: د. صقر سليمان

بالعودة إلى تاريخ تطور مسيرة البشرية على هذه الأرض وما بها من أحداث تاريخية فإننا نجد أن الأزمة كانت سمة رئيسية من سمات الحياة البشرية وبالتالي فهي جزء من حياتنا اليومية كأفراد ومؤسسات ولكنها في حالة الحكومات والمؤسسات تكون أوسع واعمق نظرا لوجود مئات أو الآف الأفراد الذين يمكن ان يتأثروا نتيجة الازمة وتداعياتها مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا. ما يميز الأزمة أنها مفاجئة وتزيد من نسبة عدم اليقين خاصة في بداياتها بسبب ضعف المعلومات مما يؤدي الى مزيد من الاخطاء والتوترات، ومع ذلك فانها تعمل على تحفيز التفكير الابداعي وتقود إلى إعادة النظر في القيم والمفاهيم السائدة.

شكلت أزمة جائحة كورونا أحد أهم التحديات التي واجهت الحكومات والمنظمات خلال عام 2020 من حيث استراتيجيات المواجهة التي حاولت الموائمة بين الحفاظ على حياة الناس وتقليل عدد الاصابات والوفيات من جهة وضمان الحد الأدني من الخسائر الاقتصادية من الجهة الأخرى. حيث قامت حكومات العديد من الدول على فرض الاغلاقات وتحديد حركة الناس في حين أن غالبية الشركات قامت بارسال الملايين من موظفيها الى منازلهم مما أثر بشكل واضح على الحياة اليومية والخدمات المقدمة للمواطنين، وسوف يكشف المستقبل والتقييم الموضوعي ما إذا كان هذا المسار الذي سلكته الحكومات والمنظمات الدولية لإدارة الأزمة كافيا وصحيحا لإنقاذ الوضع وتجاوز تداعياته خاصة في المراحل الأولى لإندلاع الأزمة.

مع أنه ليس هناك وصفة سحرية عن استراتيجة محددة لإدارة الازمة، حيث الاستجابة غالبا ما تعتمد على عدة عناصر أهمها: مستواها (كلية أو جزئية)، مدى تأثيرها (محدودة التأثير أو جوهرية التأثير) ومعدل تكرارها ودرجة شدتها، إلا أنه من المفيد مراجعة آليات الاستجابة التي اعتمدتها الدول والمنظمات الدولية لمواجهة جائحة كورونا واستعراض الدروس المستفادة التي يمكن أن تفيدنا في مواجهة أحداث مشابهة والحد من خطرها. من المهم ملاحظة أنه ليس من الممكن منع حدوث مثل هذه الازمات والأوبئة في المستقبل ، ولكن يجب أن نتعلم من تجربتنا الحالية لنكون أكثر استعدادًا إذا ظهرت مرة أخرى. وفيما يلي ملخص لأهم الدروس المستفادة من أزمة وباء فيروس كورونا:

من الواضح أن النجاح في إدارة الأزمات يعتمد بشكل أساسي على القدرات الوطنية ووجود استراتيجية للبقاء. والأهم من ذلك، أن توفير مثل هذه القدرات والاستراتيجية هو مهمة الحكومة. لا شك أن النجاة من الوباء تعتمد على القدرات الوطنية وكفاءة النظام الصحي للدول. ففي كثير من البلدان النامية على سبيل المثال أظهرت الجائحة هشاشة هذا النظام وضعف قدرته على التعامل بمفرده مع الجائحة. من المهم ملاحظة أن أمن أي دولة لا يتحقق فقط من خلال تكديس الأسلحة، ولكن أيضًا من خلال تعزيز قدراتها الاقتصادية والصحية وهذا يقودنا إلى أهمية الاهتمام بالبحث العلمي وتسخيره لخدمة الناس وحل المشكلات وإيجاد الحلول.

أظهرت أزمة جائحة كورونا دور الإدارة الفعالة في الحد من انتشار الأزمة والتخفيف من آثارها. علاوة على ذلك ، تُظهر تجربة البلدان أن سرعة الاستجابة والاهتمام بعنصر الوقت كان من اهم عوامل النجاح في إدارة الأزمة من حيث إدراك واستيعاب الأزمة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وتعبئة وتحريك الموارد البشرية والمادية. كما أن العمل وفق أهداف وآليات واضحة تعتبر خطوات أساسية وحاسمة في نجاح الاستجابة من عدمها.

أدراك أهمية البيانات في إدارة الأزمة، فوجود قاعدة بيانات دقيقة تساعد متخذ القرار على الحركة بشكل أكثر وضوح بعيدا عن العشوائية والارتجال في التعامل مع الازمة. لقد أظهرت جائحة كورونا أهمية القرارات المستندة على الأدلة، حيث كانت الاستجابة للازمة اكثر فعالية وكفاءة في الدول التي كان يتوفر بها بيانات اجتماعية واقتصادية وديمغرافية مصنفة بشكل دقيق بحيث يسهل استدعائها واستخدامها من قبل متخذ القرار لصياغة آليات المواجهة وطرح البدائل خاصة ان الأزمة تمثل حالة انتقال من مرحلة الى اخرى يصاحبها في الغالب نقص شديد في المعلومات وحالة من التخبط وعدم اليقين.

أظهرت أزمة كورونا أهمية التكنولوجيا ودور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في إدارة الأزمات. كانت مثل هذه الأوبئة موجودة في الماضي وكانت أكثر خطورة مما هي عليه اليوم ولكن لم يكن يوجد في تلك الفترة مختبرات أو تكنولوجيا أو وسائل إعلام لتوجيه وتثقيف الناس لتجنيبهم المخاطر والاوبئة. اما في عالم اليوم فإن هناك اعتماد كبير على منصات التواصل الاجتماعي وأنظمة الاتصال الأخرى للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس وإرسال رسائل تتعلق بتطورات الوباء وتوعيتهم بإجراءات الوقاية. بالإضافة إلى حقيقة أن هذه الوسائل تتميز بقدرتها على الوصول إلى العديد من الأشخاص، فهي أيضًا أدوات فعالة وغير مكلفة، خاصة في البلدان التي تتسم بندرة الموارد وضعف القدرات مثل البلدان النامية. إن إنسياب المعلومات للجمهور بشكل سريع ومستمر واطلاعه على أخر المستجدات يساعد على تعبئة الرأي العام ومواجهة الشائعات وكذلك الاستماع الى التغذية الراجعة الواردة منه وتقييم عملية التواصل والآثر الذي تركته وانطباعات الجماهير حولها وهي عناصر حاسمة لنجاح خطة وجهود ادارة الأزمة.

ألقت هذه الأزمة مزيدًا من الضوء على دور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والعمل التطوعي أثناء الأزمات، الأمر الذي دعم بشكل كبير دور الجهات الحكومية، وقد تجلى ذلك من خلال حملات التطوع لمساندة الأجهزة الحكومية والتبرع لمساعدة المتضررين من الوباء وكذلك العمل على تثقيف الناس ومساعدة المرضى.

أظهرت ازمة كورونا أوجه عدم المساواة التي كانت موجودة بالفعل في مجتمعاتنا والتي تفاقمت بسبب الإغلاق والمتغيرات الأخرى في حياتنا اليومية أثناء الوباء. كما القت هذه الأزمة الضوء على الفئات الأكثر ضعفاً وحرماناً حيث يؤدي عدم المساواة في الدخل إلى عدم المساواة في مستوى المعيشة. بالتأكيد، تقع على عاتق الحكومات والمنظمات غير الحكومية مسؤولية تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء من خلال استهداف ودعم وتمكين الفئات الضعيفة والأقل حظا في المجتمع.

مرحلة إدارة الازمة تعتبر حالة استثنايئة في حياة الحكومات والمنظمات وهي تتطلب نوع مختلف من الممارسات الادارية وبالتالي يصبح من الضروري تبني مقاربات ادارية تسهل عملية اتخاذ القرار في الوقت المناسب وبالسرعة الممكنة مثل تشكيل خلية أزمة، تفويض السلطة، تبسيط الاجراءات، الوجود المستمر في موقع الحدث، ........الخ. يقدم الكاتب ستيف ألبريخت في كتابه " إدارة الأزمات" عدة نصائح لإدارة الأزمة أهمها الصدق في تقديم المعلومات مع الحرص على عدم نشر كافة الحقائق أمام الجميع، الموائمة بين المركزية في صناعة القرار وسرعة تنفيذه بما يحقق انسياب سلس للمعلومات بين المستويات المختلفة، وكذلك تعزيز قنوات الاتصال مع الخصوم ومع المساندين والعمل على توسيع دائرة المساندة، وتحفيز الحماس في العاملين.

أخيرا ًمن الضروري التأكيد على أن ادارة الأزمة تعني محاولة التحكم بشدة وضغوط الأزمة وصولا الى التحكم باتجاهاتها والحد من خسائرها للحد الأدنى وتحقيق أقصى مكاسب ممكنة. لتحقيق ذلك من الاهمية بمكان وجود مراكز لإدارة الأزمات وكوادر وطنية مؤهلة ومدربة قادرة على التنبؤ والتعامل مع الأزمات والعمل على مواجهتها والتقليل من آثارها السلبية وإعادة ثقة الجمهور بالمؤسسة خاصة أن الازمة وما قد ينتج عنها تؤثر على توجهات الناس وتقلل من نسبة ثقتهم بأداء المؤسسة وهنا يبرز دور وقدرة الاتصال الفعال والعلاقات العامة بالمؤسسة على ترميم هذه العلاقة.