الكاتب:
رامي مهداوي
هو برنامج تلفزيوني فلسطيني بامتياز تبثه قناة «معاً» الإخبارية، يقدمه الصديق الإعلامي محمد اللحام، نسمع ابتسامته وغضبه عبر شاشة التلفاز كأنه يجلس معنا في المنزل دون أي تصنع، نجح بإعداد خلطة غريبة تجمع العالمي بالإقليمي بالمحلي، تجمع الأصفر بالأخضر بالأحمر، تجمع الضفاوي بالغزاوي، تجمع المدينة والمخيم والقرية، تجمع العالم الافتراضي بالعالم الحقيقي الذي نعيشه بكل ما فيه من متغيرات سياسية، اجتماعية، رياضية، ثقافية، اقتصادية، هو برنامج اسمه «نص بنص»، لكن من يتابعه يعلم أن الحقيقة تقال بصراحة في وجه أي مَن كان ولا يمسك «العصاية» من النصف.
أستطيع القول: إن هذا البرنامج الساخر بطعم الجدية فتح فضاء جديداً لمناقشة قضايا الرأي العام بشكل مختلف. وأمام اهتمام المشاهدين به أصبح يشكل قوة ضغط، فتحول إلى سلاح لنقد كافة مكونات المجتمع عندما تخطئ ومواجهتها، وأيضاً هو يقول كلمة حق وشكر لكل من يصيب ويجتهد ويضرب «تعظيم سلام» لمن يخدم أبناء الوطن.
هذا النوع من البرامج، أيْ البرامج الساخرة، من أهم أساليب الاتصال السياسي في الوصول إلى الجمهور، وهي مهمة لتعزيز قيم الديمقراطية والحكم الصالح، وزيادة المشاركة السياسية في المجتمعات، بالتالي هي امتداد لدور الصحافة «السلطة الرابعة» في مراقبة السلطة ونقدها، فهي ليست مجرد أخبار وفيديوهات ترفيهية تهدف إلى التسلية والترفيه فقط، بل تحاسب بطريقة لاذعة.
استطاع اللحام بأساليبه التعبيرية المتنوعة واللغة الجسدية، وفكره المستمد من التجربة، واتجاهات الدائرة المحيط بها، أن يقدم وسيلة جديدة للنقد والهجوم والمقاومة والبناء والمحاسبة، ما جعل البرنامج سلاحاً جديداً في مقارعة المخطئ من مؤسسات السلطة المدنية والأمنية وشكرهم إن قاموا بواجبهم، وواجه العادات والتقاليد والتزمّت التكفيري، ما جعله يرفع صوته بوجه الظلامية بابتسامة ابن المخيم المليئة بالأمل.
يعبِّر أحد الكوميديين البريطانيين، جون كليز (John Cleese)، عن الأثر الذي يحدثه الأسلوب الكوميدي في طبيعة الاتصال والتواصل، قائلًا: «إذا تمكَّنت من جعلك تضحك معي، ستعُجب بي أكثر، وهذا سيجعلك منفتحاً أكثر على أفكاري، وإذا استطعت إقناعك بأن تضحك معي حول أحد الموضوعات التي ناقشتها، بضحكك عليها، أنت تُقرِّ بالحقيقة».
بذكاء عال استخدم اللحام الفيديوهات والمواد المرئية التي ينشرها المجتمع الفلسطيني والعربي والعالمي، ما جعله قريباً من المشاهد ويشتبك معه بأفكاره المختلفة حول العديد من القضايا التي لا يستطيع أحد أن يطرحها، ما أعطاه مساحة إعلامية واسعة جعلت فضاءه غير محصور في زمن ومكان محددين.
حيث لم ينحصر برنامج «نص بنص» في توجيه نقده لشخصية محددة، لبلد بعينه، نظام سياسي معين، حزب أو فصيل، لدرجة واجه فوضى السلاح وإطلاق النيران بعبثية، ما جعل اللحام يتعدد بالموضوعات المبنية على السلوك السياسي والاجتماعي والاقتصادي موجهاً لهم النقد والاستهجان والسخرية القاسية، بل تطرق لنقد بعض مكونات النظام السياسي بمجمله، وكشف ممارسات سياسية للفصائل والأحزاب في ترسيخ زيفها السياسي وخداع الشعب.
في النهاية، النصيحة التي أقدمها لصديقي اللحام، هذا البرامج بحاجة إلى تطوير مستمر، وإدخال قوالب وأشكال جديدة في معالجتها تضمن من خلالها جذب المزيد من الجمهور، والاستمرار بمستوى الحرية التي تمتلكها لتتمكن من تقديم خدمة إعلامية موضوعية يحتاجها المجتمع الفلسطيني.