الكاتب: أحمد سليمان العمري
أفاق الأردنيون يوم الإثنين 22 تشرين الثاني/نوفمبر على توقيع إتفاقية مع إسرائيل - تماماً كإتفاقية الدفاع العسكري الأردنية الأمريكية من قبل - في دبي «الكهرباء مقابل الماء»، التي أبرمت مع كل من وزيرة الطاقة الإسرائيلي «كارين إلحرار»، وزيرة التغيّر المناخي والبيئة، المياه والأمن الغذائي لدولة الامارات مريم المهيري ووزير المياة الأردني محمد النجار، تحت رعاية الإدارة الأميركية بحضور المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المناخ «جون كيري» لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه لتبادلهما بين الأردن وإسرائيل، بدعم وتمويل من دولة الإمارات، والذي ينصّ على بناء محطة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية من قبل شركة طاقة إماراتية، حيث ينص المشروع على تشغيله بحلول عام 2026م وإنتاج 2% من مجمل الطّاقة الكهربائية الإسرائيلية بحلول عام 2030م، مع دفع إسرائيل 180 مليون دولار سنوياً تقتسمها الحكومة الأردنية مع الشركة الإماراتية.
هذه هي الإستراتيجية الإسرائيلية الإقتصادية ما بعد السلام.
العنوان وحده «إعلان نوايا للتعاون» كلّه سخرية واستخفاف بالشعوب. كنا ولغاية فترة قصيرة نعيب على الإمارات والبحرين لإبرامهم اتفاقيات تطبيعية مع إسرائيل، بينما ترفض دولتنا صفقة القرن، وإذا بالرفض مهانة تضع الأردن تحت رحمة الاحتلال.
الصورة التي نشرها الحساب الرسمي للقنصلية الإسرائيلية في الإمارات، مرفقة بتصريح اتفاقية المقايضة الطاقة بالمياه، خلال حفل أقيم في جناح الإمارات بمعرض «إكسبو دبي» جعلتني أستحضر توقيع اتفاقية السلام بين البحرين والإمارات مع إسرائيل في واشنطن، وكان المنظر العام لوزراء الخارجية العرب مُعيب، ويبدو فيه استخفاف مُهين من الجانب الإسرائيلي؛ لكنّني لم أتصور أن تتكرّر الصورة مع الأردن، وهي لطالما سوّقت لرفض اتفاقية «السلام من أجل الازدهار»، لتوقّع اليوم أخرى تحمل ذات الهدف وتشبه ذات المسمّى، فقد اشتملت مذكرة التفاهم على مشروع واحد يتكون من محورين:
الأول: «الازدهار الأخضر»، والذي يتضمّن تطوير محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الأردن بطاقة إنتاجية تبلغ 600 ميغاواط، مع تصدير كامل إنتاج الطاقة النظيفة إلى إسرائيل.
والثاني: «الازدهار الأزرق»، الذي يهدف إلى تطوير مشاريع مستدامة لتحلية المياه في إسرائيل لتزويد الأردن بحوالي 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة.
لم يكن هذا الاتفاق وليد اللحظة، إنّما نتيجة اتصالات سرّيّة جرت بين الدول الثلاثة، تزامت مع المحادثات وإبرام «الاتفاقيات الابراهيمية» والمخرجات التي تمخّضت عنها، وخاصّة بعد الحكومة الاسرائيلية الجديدة، ودور إدارة «بايدن» التي كانت على دراية بالمشروع الضخم وإشرافها عليه من خلال جون كيري الذي تحدّث عدّة مرات مع كلّ من وزير الخارجية «يئير لبيد» والملك الأردني عبد الله الثاني حول الاقتراح.
ولقد التقت وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية «أورنا باربيفاي» قبل أسبوعين بنظيرها الأردني يوسف الشمالي في الأردن لمناقشة العلاقات الثنائية، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ عقد، حيث التقى «نفتالي بينيت» تموز/يوليو، بالملك عبد الله سراً في القصر الملكي في عمّان، في أول قمة بين قادة البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات، حسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
فكرة «جاريد كوشنير» السلام من أجل الازدهار ما زالت متّبعة في الإدارة الأمريكية حتى الآن، فهي ليست بالجديدة بمطلقها، إذ سعت الدبلوماسية الأمريكية منذ حرب الخليج الثانية لإقناع الأطراف العربية بتزامن التفاوض حول الأرض؛ أُطلق عليها المفاوضات الثنائية المباشرة والتطبيع، وتستند إلى الأرض مقابل السلام من خلال توقيع معاهدات الحدود - وهو ما حصل بقضية الضّمّ المؤجّل، فهو لم ينته - ونهاية الحرب وتقنين القوة المسلّحة.
والثانية مفاوضات التطبيع أُطلق عليها المفاوضات متعدّدة الأطراف الإقليمية، وتستند إلى اجراءات بناء الثّقة بين أطراف الصّراع. وهو ما حصل في توقيع اتفاقيات سلام مع الإمارات، البحرين، السودان والمغرب.
فبعد كلّ ما سبق فإنّه لابدّ من تقديم مشروع جديد للمنطقة لإعادة ترتيب الأدوار والأولويات والمصالح ومعها الأعداء - لم يبق منهم أحد - والأصدقاء.
تلك هي ملامح الخريطة الشرق أوسطية التي عبّر عنها «شمعون بيريز» آنذاك: «في 1948 انشأنا دولة لنتمّكن من العيش في منطقة معادية، وفي عام 1992 كان علينا أن نبني منطقة تُتيح لكلّ دولة بما فيها دولتنا أن تعيش بسلام، وليس السلام بحدّ ذاته هدفاً، وإنّما وسيلة مرحلية لهدف أسمى، وهو إيجاد العصر الذهبي لإسرائيل، لذلك طرحنا نظام للأمن والتعاون في الشرق الأوسط».
تعتبر هذه الاتفاقية هي الثانية بعد اتفاقية خط الغاز بين شركة الكهرباء الأردنية وإسرائيل عام 2016م، لاستيراده لمدة 15 عاماً بقيمة 15 مليار دولار، لتصبح الطّاقة والمياه بيد الاحتلال.
وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة؛ وقّع الأردن اتفاق تطبيع زراعي مع إسرائيل، يقضي بتوريد منتجات زراعية أردنية، تبعه اتفاق مائي بشراء عمّان 50 مليون متر مكعب، ثم اتفاق من شأنه زيادة حصة الصادرات الأردنية إلى السلطة الفلسطينية.
وزعم مسؤولون إسرائيليون مطّلعون، أن الإتفاق الأخير يستند على الرؤيا التي عرضتها قبل عامين منظمة «إيكوبيس الشرق الأوسط» التي تضمّ أردنيين وفلسطينيين وإسرائيليين، يسعون لتعزيز العلاقات التطبيعية بين الأطراف بذريعة التعاون والحفاظ على البيئة ومكافحة أزمة المناخ.
إسرائيل هي المستفيد الأول من اتفاق الكهرباء مقابل الماء مع الأردن، لأنّها بداية لن تلتزم بالإتفاق كعادتها، فقد أخلّت بإتفاقيات ال 94 التي وقّعتها مع الأردن بما يتعلّق بحصص المياه، فقد كانت تُفرغ بحيرة طبريا بطريقة ما لتتذرّع بعدم وفائها بالاتفاق، بالإضافة إلى الجانب السياسي، وهو الأهم لإسرائيل فتقوية علاقتها مع الدول السُنيّة، وهو الدور الذي تلعبه الإمارات والبحرين والسعودية، وكلّ الدول التي لها مصالح ليست اقتصادية فحسب، إنّما عسكرية تقف أمام إيران والتي تديرها عملياً إسرائيل.
وجانب آخر وله أكثر أهمية هو توطيد علاقتها مع الأردن التي ساءت بولاية «بنيامين نتياهو»، وهي الطريقة التي تستطيع بها الإلتفاف على الفلسطينيين، لأنها ترى بالأردن حليفاً استراتيجياً لدولتها في الشرق الأوسط، باعتبارها الدولة المجاورة للكونفدرالية المستقبلية للمناطق الفلسطينية، فهي لا تريد إقامة دولة للفلسطينيين.
أمّا بالنسبة للإمارات فهي مستفيدة اقتصاددياً كونها هي المنفّذة للمشروع، فضلاً عن رغبتها بالتدخّل في قضايا الشرق الأوسط لتكون دولة مركزية بعلاقاتها مع إسرائيل والدول العربية، لأنّها هي مع السعودية من يجابه إيران، فلديها المال توظّفه سياسياً وعسكرياً، كتدخّلها بالسودان وليبيا وإمدادها إثيوبيا بالسلاح، وهي المسؤولة بكلّ ما يحدث هناك من جرائم ضد الإنسانية، وكانت هي المسؤولة أيضاً بالمآساة اليمنية.
الأردن قبلت فعلياً بالمشروع الذي قُدّم للفلسطينيين، السلام من أجل الإزدهار، والذي رفضه الأردن علناً وطبّقه ضمنيّاً بدولته، معارضاً بذلك رغبة الشعب الأردني الذي يرفض كلّ الوسائل التطبيعية مع الإحتلال، ويرفض رهن الماء - وهي حياة الأردن - بيد إسرائيل، حتى لو زيّنها العرض الحكومي بالفوائد المزعومة للوطن.