الكاتب:
د. هاني العقاد
العلاقة بين واشنطن ودولة الاحتلال الإسرائيلي خلال المرحلة الحالية ليست في المستوي الطبيعي وبدا واضحا ان هناك اختلاف ذات تأثير كبير على علاقة الدولتين ببعضهما من ناحية وعلاقتهما بمعظم دول الشرق الأوسط من ناحية اخري ,وعلي ما يبدو ان هذه الخلافات باتت تشكل ازمة بين إدارة بايدن وحكومة (نفتالي بينت) اليمنية المتطرفة لان مساحة الاختلاف بين الحليفتين ذادت عن المألوف والذي يمكن جسره بسهولة ,ويبدوا ان هذا الاختلاف يعكر صفو العلاقات بينهما الي درجة ان إدارة بايدن قد تستخدم بعض الصلاحيات الضاغطة علي حكومة الكيان لتمتثل لتوجيهاتها السياسية في القضايا زات الاهتمام المشترك حيث ان إدارة بايدن تريد ان تفضل سياسة الحل السلمي لقضية النووي الايراني ونزع عوامل التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال تحديد اطار سياسي يعتمد علي تطبيق حل الدولتين الا ان حكومة (نفتالي بينت) تريد ان تسجل امام خصومها انها هي الحكومة التي لها سياستها المستقلة في التعامل مع هذه الملفات بعيدا عن تأثير إدارة بايدن ما اوصل العلاقة بين البلدين الي مرحلة توتر غير مسبوق في تاريخ العلاقات الامريكية الإسرائيلية.
من المهم معرفته ان العلاقة بين واشنطن وإسرائيل علاقة استراتيجية فمهما وصلت من تردي لا يمكن لواشنطن ان توصل هذه العلاقة لمستوي يؤثر على سياسة اسرائيل في الإقليم والتعامل مع قضايا الإقليم التي عادة ما تمد دولة الكيان مخلبها بداخلها ومهما وصلت العلاقة من توتر فأنها لن تصل الي حد القطيعة او استخدام واشنطن إجراءات تعيد اسرائيل الي حظيرة التوافق المشترك والاستماع لتوجيهات واشنطن السياسية والتي عادة ما يكون لها علاقة مباشرة على درجة الاستقرار بالإقليم والعالم. حدة الاختلاف بين ادارة بايدن ودولة الكيان اخذت تتعمق اليوم بسبب ملف التجسس الصهيوني علي واشنطن ما اثار غضب واشنطن خاصة بعد حصول وكالة المخابرات الامريكية علي معلومات بقيام الموساد الصهيوني بالتجسس عبر برامج التجسس NSO الإسرائيلية واختراق أجهزة تليفونات زكية لأكثر من 12 موظف بالخارجية الامريكية مما حذا بإدراج شركتي السايبر الإسرائيليتين NSO و" كانديرو" الي القائمة السوداء للشركات التي تعمل ضد مصلحة الامن القومي الأمريكي, وقد وجه تحذير شديد الي حكومة (نفتالي بينت) بتحمل المسؤولية لكونها تمنح التراخيص الازمة للشركتين للعمل في مجال التجسس لصالح جهاز الموساد.
الملف الثاني الكبير الذي اغضب إدارة بايدن من حكومة (نفتالي بينت) وزاد درجة التوتر بينها هو تفرد دولة الكيان بعمليات عسكرية وامنية سرية تستهدف ايران في الخليج العربي ومفاعلاتها النووية دون اعلام الولايات المتحدة باي تحركات إسرائيلية من شانها ان تعيق وصول واشنطن لاتفاق سلمي جديد يحد من سلوك ايران النووي , وسائل اعلام أمريكية قالت ان إدارة بايدن غاضبة من حكومة الكيان الصهيوني بسبب اثارة الأخير توترات كبيرة في الخليج الفارسي تلزم واشنطن إبقاء الاسطول الخامس في حالة استنفار دائم ليكون قادرا علي حماية السفن التجارية الإسرائيلية المارة بالخليج , واشنطن تعرف ان كافة اعمال دولة الكيان السرية بالخليج الفارسي هي لمنع أي اتفاق جديد مع ايران في فينا او حتي تحديث اتفاق 5+ 1. المحادثات التليفونية التي كشف النقاب عنها بين رئيس مجلس الامن القومي الأمريكي ورئيس الموساد أفادت ان الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل أكثر من مرة بالا يفاجئوا واشنطن بأعمال كبيرة تحرج الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وقد تعرض مصالحها في بعض الأحيان للخطر لان وجودها هناك غير خفي كما الوجود الصهيوني الذي يعمل بشكل سري. اليوم يبدو ان دولة الكيان احست بخطورة الغضب الأمريكي وقررت ايفاد رئيس الموساد الإسرائيلي الي واشنطن وسيتبعه وزير الجيش (بيني غانتس) لشرح ملابسات كثير من الأمور وخاصة فيما يتعلق بتجسس الموساد على موظفي وزارة الخارجية الأمريكية نشاط دولة الكيان الأمنية السرية في منطقة الخليج العربي وإيران.
الملف الثالث الذي ذاد من حالة التوتر بين إدارة بايدن ودولة الكيان هو الموضوع الفلسطيني وتسارع وتيرة حسم الصراع بتفرد صهيوني ضاربة عرض الحائط بكل النصائح التي تصدر من إدارة البيت الأبيض وبدأت دولة الكيان تجسد هذا الحسم في إجراءات استيطانية عنصرية على الأرض مما يعني عدم قدرة أي قوة دولية على تطبيق حل الدولتين بما فيها إدارة بايدن التي مازالت تعتبر حل الدولتين هو الحل الوحيد القابل للتطبيق في الشرق الأوسط والذي من شانه ان يعيد الهدوء والامن والاستقرار للمنطقة , ما حذا بوزير خارجية ادارة بايدن ان يجري محادثة جافة مع رئيس وزراء دولة الاحتلال وطلب رسميا عدم الموافقة من حكومته علي قرار البناء الاستيطاني في مستوطنة " عطروت" بالقدس الشرقية وابلغه ان تتجنب حكومته اعطاء الموافقات القانونية لمزيد من الاستيطان خاصة علي ارض مطار القدس الدولي.
هذه الملفات الثلاثة دفعت بالعلاقات الامريكية الصهيونية الي التدهور والذي من شانه ان يجعل إدارة بايدن تتصدي لرغبات دولة الاحتلال التي تؤثر على مصالح وعلاقات واشنطن في المنطقة, قد تزداد حالة التدهور في العلاقة بين حكومة (نفتالي بينت) و واشنطن اذا ما استمرت الأخيرة في إعطاء الموساد الصلاحيات بالتجسس علي سياسيين وصحفيين ونشطاء أمريكيين ,وتجاهلت حكومة الاحتلال التوجيهات السياسية الامريكية في الملفات ذات الاهتمام المشترك الأخرى واخذت علي عاتقها جر واشنطن لمربعات هي لا تريدها واهمها جر واشنطن لمواجهة محتملة مع ايران , هنا يمكن لإدارة بايدن ان تتغاضي عن تجاهل دولة الكيان لتوجيهاتها السياسية في ملفي ايران والملف الفلسطيني لكنها لن تتغاضي عن عمليات التجسس علي موظفيها وقادة أجهزتها الامنين والسياسيين لصالح جهاز الموساد الصهيوني والأيام القادمة ستكشف مزيد من ردات الفعل الامريكية وتردي للعلاقات الثنائية ان لم تتدارك دولة الاحتلال اخطاءها وتعلم واشنطن مسبقا عن سياسة التعامل مع الملفات الثلاثة.