الإثنين: 10/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

من أغتال أطفال بهاء بعلوشة الثلاثة...؟؟

نشر بتاريخ: 11/12/2021 ( آخر تحديث: 11/12/2021 الساعة: 11:51 )

الكاتب: اللواء د.محمد المصري

في مثل هذا اليوم، وقبل خمسة عشر عاماً، وفي يوم بارد ومغبر ومعتم، انتزعت ثلاث زهرات من حضن حديقة زاهرة وآمنة، ثلاث زهرات واعدة وتضج بالحياة، ولكن القتلة كان لهم حساب آخر، الزهر عادة ما يكون على خلاف مع القاتل والجلاد. القتلة يريدون الازهار بدون حياة أو رائحة أو روح. ولهذا تحركت أصابع الشر والقتل والحقد، وأطلقت النار على الطفل أسامة بهاء بعلوشة ابن التاسعة، وعلى أخيه أحمد ابن السابعة، ومن ثم على شقيقه الأصغر سلام ابن السادسة، ولم يوفر القتلة الشاب محمود الهبيل ابن الخامسة والعشرين الذي كان يرافق ويحمي الزهرات الثلاثة. وهكذا كانت جريمة مروعة في صباح ذلك اليوم الأغبر والمعتم، كان ضحيتها أربعة أرواح فلسطينية لم ترتكب شيئاً سوى انها كانت هدف القتلة والأشرار الذين يمتلكون مخططاً مُعداً ومسبق، كانوا أربع ضحايا لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم كانوا هناك في طريق قتلة لم يتورعوا عن قتل الأزهار في بلادنا، لم يلتفتوا للبراءة في عيونهم، ولم توقفهم صرخات الطفولة اللاهية، ولم يمنعهم أن ما يقتلونه هو الأمل والمستقبل الواعد.

أبناء صديقي بهاء بعلوشة الذين اغتيلوا في مثل هذا اليوم قبل خمسة عشر عاماً، دمهم ما يزال ساخناً نابضاً على أسفلت الشارع، وما يزال هذا الدم يحكي قصة الظلم والعدوان والمخططات المعدة سلفاً، دمهم ما يزال لعنة على من قتلهم، دمهم ما يزال يحكي قصة الاجرام على كل المعتقدات والمفاهيم والمبادئ السماوية والأرضية.

قتل أبنائك يا صديقي أبو اسامة خيانة للعقد الفلسطيني الذي يجمعنا على حب البلاد وترابها، وخيانة للجيرة والأخوة والثورة، واعتداء على مقدس ديني واجتماعي، وقتل لفكرة التعايش ذاتها. ولهذا، فإن اغتيال ابنائك ليس مجرد حادثة عادية نستذكرها لنفتح الجرح من جديد. لا، هي ليست كذلك، بل هي جريمة انسانية ونضالية واجتماعية وسياسية تستحق التوقف عندها طويلاً. ولا بد من تذكرها دائما حتى تستعاد الحقوق كلها، الحقوق الشخصية والحقوق الوطنية والحقوق السياسية. اغتيال أطفالك يا صديقي أبو اسامة حدث كان مقدمة لأحداث أخرى اغتالت كل شيء، ولهذا لا بد من التصحيح والترميم ووضع النقاط على الحروف.

الآن، وبعد مرور خمسة عشر عاماً على هذا الحدث الجلل، ما يزال المجرم طليقاً، لم يشعر بالندم ولم ولن يعتذر عن جرمه بحق الطفولة، لذلك لا بد من القول أن الوطن كله على المهداف، مهداف الحركة الصهيونية التي اصبحت متدينة أكثر وعنيفة أكثر وغير راغبة في التسوية أكثر، ومهداف الانقسام الذي يتعزز أكثر وأكثر، وعلى مهداف النزاعات الانشقاقية والتفلتات الاجتماعية التي نراها في هذه المحافظة أو تلك. الوطن كله يا صديقي أبو اسامة في خطر، والمشروع الوطني في خطر. وكأن كل شيء يؤدي إلى طريق مسدود رغم كل هذا الدم وكل هذا الجهد، ومازال البعض لن يتعظ درساً من دماء أطفالك الزكية، البلد كلها في خطر، ومشروعنا في خطر، وقد يكون مستقبلنا في خطر، ما دام المجرم يتجول بيننا بأشكال مختلفة.

لهذا، أيها العزيز أبو اسامة، نتعالى على الجراح ونعض على الآلام وننظر إلى المستقبل، ونشد الهمة ونستنهض كل مكونات الشعب الفلسطيني للتقدم إلى الأمام. في هذه الذكرى الخامسة عشر أشد على قلبك أيها العزيز وأنت أيتها العزيزة أم أسامة، وأقول لكما أن الألم عميق والذكرى لا تزول، ولكن العزاء كل العزاء أن يبقى الوطن سالماً وكبيراً وعزيزاً، وهو بعد الله الذي يعطينا الهمة والعزيمة للمضي قدماً.

أعرف أنكما – أيها العزيزان- تفعلان كل شيء من أجل هذه الذكرى، وأنكم بأيديكما البيضاء قدمتم خدمات جلية لكثير من أبناء الوطن، وأن فقدانكم لزهراتكم الثلاث جعلتكما تريان أن كل أطفال الوطن هم أبناؤكما.. وهكذا هم الكبار، الذين يحولون الجرح إلى شجرة خضراء يافعة.. أخيراً، أقول لكما بإسمي وأسم كل المحبين... ليهبكما الله من فضله وكرمه القدرة على الصبر والعطاء..