الأحد: 19/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الإعلام والقانون، دبلوماسية الضعفاء المنتجة

نشر بتاريخ: 12/12/2021 ( آخر تحديث: 12/12/2021 الساعة: 12:03 )

الكاتب: ناصر دمج

دعوة لتطوير الهياكل المحلية المتخصصة، وتحديث أنماط المخاطبة الابتكارية مع عالم لا يكف عن التغير

ثمة تحول كبير، لا يمكن إغفاله؛ أو التغاضي عن وجوده في الخطاب السياسي والإعلامي والدبلومسي العالمي، المخصص للتعامل مع القضية الفلسطينية، وهو تطور بناء يمكن الاستثمار فيه، وتعديل مقاطعة التقليدية، بما يخدم الأهداف والمآرب الفلسطينية العليا.

وتم ذلك كمحصلة لانحسار طبقات سميكة من الحجب والتعمية الإعلامية السابقة، عن حقائق الصراع العربي الإسرائيلي، التي تسببت بها وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة، التي مكنت المتصفحين والقراء من الوصول للحقائق الصافية حول تاريخ الإنسانية، وتركت الحكم عليها لهم وحدهم بلا مواربة أو تضليل.

مضاف لذلك، قوة الدفع الفلسطينية الجبارة، التي انضجت العوامل المساعدة للتحول، بما في ذلك تصدى الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية لخطة صفقة القرن، وإذكاء لهيب المقاومة الشعبية في الضفة وغزة والقدس الشرقية، وتعظيم الصمود المشرف لسكان حي الشيخ جراح، والجهد الذي تبذله الدبلوماسية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني، كالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، والمؤسسات (الستة) وهن: (مؤسسة الحق ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين، واتحاد لجان المرأة العربية واتحاد لجان العمل الزراعي ومركز بيسان للبحوث والإنماء)، الاتي أدرجتهن الحكومة الإسرائيلية على قوائم الإرهاب، لفاعلية دورهن على جبهة الأمم المتحدة وكياناتها القانونية، كمحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي.

آخذين بعين الاعتبار أن جل المتلقين الأوروبين، هم من الذين ولدوا بعد نهاية الحرب الباردة، على عكس أجدادهم الذين عانوا من عقدة تعويض اليهود، عن ما لحق بهم من أذى من قبل الوحش النازي، وهذه الأجيال لا تأبه بالقيد (الصهيوني)، وهي عاقدة العزم على التحلل منه؛ وباتت حرة في طريقة تفكيرها، وفي كيفية خروجها من صندوق التفكير النمطي الأوروبي والأمريكي تجاه اليهود، والخوف من تكرار المحارق العنصرية البغيضة؛ ما جعلها أكثر تقبلاً للرواية البديلة، المخاطبة للعقل والمتسقة مع منطق الأشياء والتاريخ والقانون الدولي.

في حين بات العالم أكثر تصديقاً للرواية الفلسطينية، وأقرب ما يكون لنبذ الرواية الإسرائيلية، لفرط ضررها وتقويضها لقواعد القانون الدولي، وهو ما وجدنا صدى له في تجاوب عشرات الشركات والكيانات الاقتصادية والسياسية التي استجابت لدعوات مقاطعة المستعمرات الإسرائيلية، ومنها شركة (نايك - NIKE)، التي أوقفت تعاملها التجاري مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

كما وسمت حكومة النرويج بضاعة المستعمرات الإسرائيلية بوسم خاص، لتحذير المستورد النرويجي من مغبة التعامل معها، وانضم لهذا الجهد صندوق التقاعد الحكومي في النرويج، الذي باع أسهمه في شركة (البيت معرخوت) الإسرائيلية؛ بسبب دورها في بناء جدار الفصل والتوسع الاستيطاني، وصندوق الاستثمار التابع للحكومة النرويجية، الذي قرر وقف الاستثمار في شركتي (إفريقيا - إسرائيل) و (دانياسيبوس) الإسرائيليتين، وشركة القطارات الحكومية النرويجية، التي انسحبت من مشروع إقامة قطار (إسرائيل)، لأنه يمر من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما أعلن بنك دوتشه الألماني، وهو ثالث أكبر بنك في العالم، عن مقاطعته لبنك (هبوعليم) الإسرائيلي؛ بسبب عمله في المستعمرات الإسرائيلية.

كما ألغت الحكومة البلجيكية إقامة معرض (تل أبيب المدينة البيضاء)، الذي كان مقرراً إقامته في العاصمة بروكسيل، كما أعاد مهرجان السينما في العاصمة أدنبرة الجائزة الذي كانت قدّمتها له السفارة الإسرائيلية؛ انسجامًا مع قراره بمقاطعة (إسرائيل).

كما فرضت بلدية "مركيفيل" في منطقة سيدني الأسترالية المقاطعة على (إسرائيل)، وعلى جميع الشركات التي تمارس التجارة معها، كما دعمت منظمات استرالية داعمة للفلسطينيين مقاطعة برتقال يافا وشوكلاته (ماكس بيرنر).

كما أعلنت شركة "فيتنس" للمياه في هولندا، عن وقف التعامل مع شركة المياه الإسرائيلية (مكوروت)، وصندوق التقاعد الهولندي أعلن عن سحب استثماراته من البنوك الإسرائيلية.

كما أعلنت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، أن وزراء حكومتها سيقاطعون (إسرائيل)؛ ولن يقوموا بزيارتها، كما أعلنت منظمة اتحاد التجارة، مقاطعة الجهاز المستخدم في عملية الختان الذي يصنّع في (إسرائيل) ووقف استيراده، كما فرضت شبكة الأسواق التجارية الكبرى في بريطانيا "كواوفرنتيف" مقاطعة شاملة على جميع المنتجات التي تنتج في المستعمرات المقامة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

كما قاطعت شبكة دار الأزياء (ماركس اند سبنسر)، منتجات المستعمرات الإسرائيلية، منذ العام 2007م، كما أعلنت منظمة العمال الإيرلندية المقاطعة على المنتجات أو الخدمات التي تصل من (إسرائيل)، كما دعمت منظمة المعلمين في إيرلندا تدابير فرض المقاطعة الأكاديمية على (إسرائيل).

كما تبنت منظمة عمال البريد في كندا، سياسة مقاطعة (إسرائيل)، كما أعلنت الكنيسة البروتستانتية في فانكوفر عن انطلاق حملة لمقاطعة منتجات المستوطنات، كما انضمت المنظمة التعليمية الأميركية إلى المقاطعة الأكاديمية المفروضة على إسرائيل من قبل العديد من الجامعات والنقابات، كما سحب صندوق التقاعد الأميركي استثماراته من إحدى الشركات التي قامت بيع جرارات زراعية للمستعمرات الإسرائيلية.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ألزمت نفسها، عند توقيع أي اتفاق اقتصادي مع (إسرائيل) بألا يتضمن السماح بدخول منتجات المستعمرات للأسواق الأوروبية، ليس فقط الموجودة في الضفة؛ وإنما في الجولان السوري المحتل؛ ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث يستحوذ على ثلث إجمالي الواردات والصادرات الإسرائيلية.

مضاف لذلك، مقاطعة العديد من ملكات الجمال اللواتي رفضن المشاركه في مسابقة اختيار ملكة جمال الكون لعام 2021م، المقرر إجراؤها في مستعمرة (إيلات)، وأبرزهن ملكة جمال اليونان "رافاييلا بلاستير" التي عبرت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني.

وانسحاب الكثير من الرياضيين الدولين، من مباريات كان من المقرر أن يشارك فيها متسابقون إسرائيليون، ورفض ماليزيا السماح لفريق رياضي إسرائيلي الدخول لأراضيها للمشاركة في مسابقة رياضية.

وتواصل مسيرات ومظاهرات التنديد الشعبية باتفاقيات التطبيع الإسرائيلية العربية، في البحرين والأردن والمغرب والسودان والكويت واليمن رغم جراحه المفتحة، وتجمع آلاف الأرجنتينيين أمام سفارة دولة فلسطين في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، مطالبين بالحصول على الجنسية الفلسطينية، والتنديد بالممارسات الإسرائيلية من قبل الاتحادات والنقابات العمالية في كافة دول العالم.

وقيام الفنانين التشكيليين والممثلين السينمائيين، بمن فيهم مشاهير هوليود، الذين وقع 100 منهم بتاريخ 19 تشرين أول 2021م، على عريضة تطالب الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن إضافتها لستة منظمات فلسطينية لقوائم الإرهاب، ومنهم الممثل الأمريكي الشهير "جورج كلوني"، الذي رفض عرض ترويجي لشركة الطيران الإسرائيلية (العال)، مقابل 35 مليون دولار.

ومئات المسرحيين الذين رفع العديد منهم الأعلام الفلسطينية في غير مناسبة ومظاهرة، أو وضعوا على منصاتهم الافتراضية الكوفية الفلسطينة، كما انتشرت صور لمئات النجوم الرياضيين وهم يرفعون العلم الفلسطيني، مخالفين بذلك القاعدة المتعارف عليها بعدم الخلط بين الرياضة والسياسة.

وظهور العديد من المعلقين والنشطاء الفلسطينيين، من المتحدثين بالإنجليزية، عبر شاشات التلفزة العالمية، أو عبر منصاتهم الإلكترونية الشخصية، ما أدى إلى تعبئة الفراغ وإحداث توازن مثير مع النص الإسرائيلي المهيمن، وتمكنوا من تقديم نص فلسطيني عادل وخالي من الغوغائية والتهويل.

التحول العالمي يطال الولايات المتحدة الأمريكية

فيما بعد، ازدادت قوة شعاع التأثير الفلسطيني، وخاصة بعد التصدي الشجاع لصفقة القرن التي رضخت لها العديد من دول المنطقة العربية، وتم توثيق العديد من الإشارات الدالة على اتساع نطاق التأييد العالمي العلني لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وسُجلت أقوى الإشارات، من داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي، قبيل وبعد فوزه برئاسة الولايات المتحدة وإطاحة إدارة ترامب، ودشن التطور نفسه طوراً جديداً من التحديث، خلال المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية في ساحات المسجد الأقصى والشيخ جراح، واندلاع المواجهة الشاملة بينهم في شهر أيار 2021م، الأمر الذي مكن جيل جديد من الليبراليين الجدد في الحزب الجمهوري، من أخذ زمام المبادرة، وتصعيد هجومهم الأخلاقي ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومراجعة المعايير العالمية لقياس درجة اقتراف الأطراف للأخطاء من عدمها؛ وفحص مدى انضباطها للقانون الدولي من عدمه، ومحاكمتهم على هذا الأساس.

وهي مسطرة مستقيمة وعادلة، قادت إلى اكتشاف طبقات سميكة من الظلم، وقعت خلال العقود السبعة الماضية على الشعب الفلسطيني؛ وساهمت في مراكمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بعد أن منحت نفسها حق التضحية بالشعب الفلسطيني وحقوقه، لصالح دولة الاحتلال الاسرائيلي، دون أن يكون لها أي حق في ذلك، ما تسبب في شيوع حالة متصاعدة من تأنيب الضمير لدى قطاعات أكاديمية وشبابية واجتماعية أمريكية، انخرطت عن قوس واحدة في عملية مراجعة تطبيقية للمواقف الأمريكية التقليدية، والدعوة فيما بعد لتصميم موقف أمريكي جديد أكثر عدلاً وقرباً من معايير العدالة الدولية المستمدة من قرارات الشرعية الدولية حول الصراع العربي الإسرائيلي.

ما اعتبر تحولاً اجتماعياً وسياسياً عظيماً، وفقاً لــ "جون زغبي" خبير استطلاعات الرأي الأمريكية، الذي وصف تلك التحولات بأنها تجسيد لرأي الأجيال الجديدة من الشعب الأمريكي، وعزى ذلك للعديد من الأسباب الوجيه ومنها:

1- أفول نجم الخطاب التقليدي المؤيد لإسرائيل، وتحول اهتمام اللوبيات الصهيونية الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، نحو المخاطر الجديدة التي تهدد مصالحها الاقتصادية والكولونيالية حول العالم، وفي مقدمتها الخطر الصيني.

2- صعود جيل جديد من القادة السياسيين، الذين مكنتهم ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من مطالعة الحقائق بأنفسهم ودون وسيط.

3- الصعوبات المتصاعدة أمام قادة الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، لمواصلة التمسك بالخطاب المزدوج، القائم على المعايير المتضاربة حول الأمور نفسها؛ بما في ذلك ثبات مخالفة دولة الاحتلال الإسرائيلي لقواعد وأحكام الشرعية الدولية، واقترافها لمخالفات جسيمة ترتقي لجرائم الحرب؛ وجرائم الدولة المنظمة ضد الإنسانية.

ويمكن لمراقب هذا التحول، حول (فلسطين وإسرائيل) ملاحظة أثره في مواقف أعضاء الكونغرس، سيما أعضاء الحزب الديمقراطي، المتعاطفين تاريخياً مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب أصوات الناخبين اليهود (وهي قاعدة الحزب الديمقراطي الرئيسة) واتباع الكنيسة الإنجيلية والجمهور البروتستنتي.

مضاف لذلك ارتفاع شأن ومكانة أبناء الأقليات الأمريكية كالسود واللاتينيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين والعرب والمسلمون، حيث بلغت نسبة تمثيلهم في غرفتي الكونغرس 23 في المئة، وفقاً لدراسة نفذها مركز (بيو) للأبحاثPew Research Center ‏، الأمر الذي ساعد في تسريع تيارات الميل لإحقاق حقوق الأقليات والمضطهدين داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وأدى هذا التنوع في الخلفيات، إلى إثراء وجهات النظر البديلة، وضمور وجهات نظر القوى المحافظة، وتجلى ذلك لدى مجموعة من عضوات الكونغرس الليبراليات اللاتي يُطلق على أنفسهن "الفريق"، ومن بينهن الفلسطينية الأمريكية "رشيدة طليب" عن ولاية ميشغان، واللاجئة الصومالية "إلهان عمر" عن ولاية مينيسوتا، و"ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز" عن ولاية نيويورك.

وأضاف زغبي: "هناك قاعدة سكانية غير بيضاء، خاصة بين الديمقراطيين، يشعرون بحساسية شديدة تجاه ما تلقاه المجتمعات غير البيضاء الأخرى؛ ويرون إسرائيل كمعتدٍ أثم، والمجتمعات غير البيضاء لا تعرف شيئاً عن تاريخ إسرائيل، لكنهم يتابعون الآن ما يجري في فلسطين، من قصف غير متكافئ وقتل متعمد للمدنيين الأبرياء".

مضاف لذلك تأثير الزعيم اليهودي "بيرني ساندرز" الذي نشأ وترعرع في ستينيات القرن الماضي في (إسرائيل) كيهودي محافظ في المراحل الأولى من حياته السياسية، وكان متعاطفاً مع السياسات الإسرائيلية بشكل عام، ولكن بعد خوضه لمعركة انتخابات الرئاسة في عام 2016م، بدأ يتحدث بجرأة وصراحة عن معاناة الفلسطينيين، وارتفاع معدلات البطالة لديهم، وتردي ظروف سكنهم وانحطاط الخدمات الصحية المقدمة لهم، وكذا الخدمات التعليمية"، ما أسس لكسر قاعدة أثيرة لدى الحزب الديمقراطي، قوامها أن الحديث عن معاناة الفلسطينيين يعد ضرباً من ضروب المقامرة المحفوفة بالخسران بالنسبة للساسة الساعين للمناصب العليا.

الإعلام حجز الزاوية (الخلاصة)

يمكن القول: بأن العمل القانوني المنظم، أضحى جبهة مواجهة منتجة مع المحتل الإسرائيلي، لقدرته على تجريد (إسرائيل) من التأييد الأعمى لحلفاءها لها؛ بعد محاججتهم بقواعد ومبادىء القانون الدولي، الذي كتب مقاطع عريضة منه خبراء القانون اليهود، ليتمكنوا من نظم إيقاع حركة التاريخ المعاصر للبشرية على هواهم، ونحن اليوم نطالب بحصتنا منه، لإنصافنا في خصومتنا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وعندما نتحدث عن القانون الدولي، وقبولنا به كمسطرة تحكيم؛ يعني إننا نتحدث عن السلام والأمن الدوليين، وعن العدالة الدولية التي يزعم الجميع بأنهم ينشدونها ولا يعملون ما يلزم من أجلها، فتحولت حقوقنا لمعيار مناسب، لفحص استقامة تلك النظم على سوقها من عدمه، لأننا أضحينا المعيار نفسه؛ فالعالم مدعو ليثبت انحيازه للعدالة من خلال انحيازه لحقوقنا، وعدم انحيازه لها يعني إنه تحلل من موجبات خطابه بهذا الخصوص، ومس مساً فضاً بصفاء ووضوح مبادئه وقيمه القانونية والإنسانية.

ما أقصده هنا، هو إنه علينا المضي قدماً في معركتنا القانونية والإعلامية، وحشد المزيد من الطاقات والخبرات، وتوظيفها في المواجهة القانونية ذات الشوكة الإعلامية الجارحة، لأنه لم يكن لذلك الكم من التحولات أن يكتمل لولا وسائل الإعلام، سيما الحديثة منها، ليس على صعيد التغطية والتحليل كما هو معتاد ومتوقع، بل لقوة مخرجات المقاومة الشعبية السلمية، التي سمحت لأبطال الرواية الفلسطينية بتلاوة بيان الضحية، وصبه صباً داخل موزايك الإعلام الغربي والأمريكي.

هذا يعني بأن الاختراق ممكن، وإحداث التغيير المنشود ممكن، لكنه يتطلب تصميم أجندة عمل وطنية وقومية ثاقبة، لعرض ما يجب عرضه أمام القارئ والمشاهد والمتصفح الأوروبي والاسترالي والكندي والأمريكي، لأن الإعلام الغربي الليبرالي، لا يرفض أي شىء؛ لكنه لا يتقبل أي شىء غير مقنع ومدجج بالأدلة، وهذه الجزئية بالتحديد، هي ما يجب الاستثمار فيها عربياً وفلسطينياً.

وهذا يتطلب معالجة مباشرة لضعف الاعتبارات المهنية والحرفية في المؤسسات الإعلامية الحكومية والأهلية والخاصة، لتخفيض مستويات القصور التي تعاني ويلاتها؛ وتحسين قدرتها على توصيل صورة إيجابية وحقيقية عنها.

لكن، الصحفي الفلسطيني أو صانع المحتوى، تواجهه العديد من المشكلات التي تسهم في انحطاط نصه الصحفي، ومنها عدم تمكنه من الوصول لمصادر المعلومات، ومن ثم تقديمها على نحو متكامل وفي الوقت المناسب، بسبب عدم إتاحتها له من قبل المستوى السياسي، ما يدفعه دفعاً لمصادر المعلومات الإسرائيلية أو الغربية، رغم تلاعبهم بها وتوظيفها لخدمة الخطاب السياسي الإسرائيلي؛ لهذا فإن المستوى السياسي الفلسطيني، مطالب بالتحول إلى شريك في صناعة المحتوى الصحفي، وحل مشكلة التعامل مع الرأي العام الفلسطيني بعدم احترام.

استنتاجات (توصيات التقدير)

1- لأنه من المفيد للحاكم الرشيد، تخفيض فاعلية المعلومات المضللة، والمشوشة للوعي والمعرفة، عليه القيام ببث منتظم ومتتالي للمعلومات البديلة والصادقة؛ حول كل ما يخص الشأن العام، ضمن عملية تواصل مستدامة بين صناع القرار الوطنيين والصحفيين، بما يمكن الصحفيون من حيازة المعلومات الأصلية.

2- رويداً رويدا، سيتحول مصدر المعلومات الحكومي إلى مصدر موثوق، على طريق صناعة تجربة مماثلة لعلاقة الصحفيين الإسرائيليين بمكتب الإعلام الحكومي الإسرائيلي، أو علاقة المكتب الصحفي في البيت الأبيض بالصحفيين الأمريكيين.

3- وإلا لماذا يشعر الصحفي الفلسطيني بالنقص المهين أمام الصحفي الإسرائيلي، لأن الأخير يمتلك المعلومة الطازجة والصحيحة، التي تخدم خطابة في المكان والزمان المناسبين تماماً؛ وهذه دعوة لتصويب إشكالية التواصل مع الصحفيين الأجانب أيضاً، وهي مشكلة ناتجة عن حجب المعلومات الرسمية عن الصحفيين المحليين، وصولاً لتحول الصحفي الفلسطيني لمصدر حصري للخبر الفلسطيني.

4- على هذا النحو، سيصبح المستوى السياسي الفلسطيني، المساهم الرئيس في صناعة وتشكيل الرأي العام بحلته الجديدة والخطرة، دون أن يكون مجبراً على وضع نفسه في مواجهة انهيار السدود القديمة أمام فيضان المعلومات الجامح.

5- سيؤسس هذا التعديل في قواعد التعامل مع الصحفيين وصناع الرأي العام، إلى ترسيم استراتيجية عمل إعلامي عصرية، من ضمنها إنشاء قناة تلفزيونية ناطقة بــ (الإنجليزية والفرنسية والصينية)، لإسماع الصوت الفلسطيني لكل من لم يسمعه، بعيداً عن الكم الهائل من المنابر المحلية منخفضة الصدقية، ضمن منهجية عمل حرفية وتنافسية، ومخاطبة الغرب بطريقة عصرية تتناسب مع التطورات العالمية في الإعلام، لأنه لم يعد معقولاً مخاطبة العالم بلغتنا المحلية.

6- كما لم يعد ممكناً، أن يواصل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي (الفتحاوي)، في فلسطين الاصطفاف خلف وحول الحكومة فقط، والترويج لانجازاتها باللغة المحلية، لأنه لن يتمكن مع هذه الحالة من مجاراة المنابر الخارجية، وإذا شعر بعدم القدرة على الرد، سيلجأ إلى إقناع جمهوره بأن ما يحدث ضدنا هو مجرد مؤامرة.

7- كما لم يعد ممكناً، التعايش مع إدعاء عدم توفر الموارد المالية، للإنفاق على المشروعات الثورية القادرة على اجتياز خطوط الإعاقة المنتجة للفشل، لنتمكن من صناعة منتج إعلامي قوي ومنافس ومؤثر، لكن المشكلة في ظني إنها تتعلق بغياب الإرادة والرؤية، لجهة تفضيل الاعتماد على الوجوه المكررة في الإدارة والشاشة، ممن احتكروا كل شيء منذ سنوات دون فلترة.

8- كما يجب تطوير، كافة المواقع الإلكترونية للهيئات والوزارات الأساسية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، لتصبح مصدر موثوق للمعلومات، كما يجب أن تضم استراتيجية العمل المرتجاة، خطة لنشر المقالات في الصحف العالمية بأقلام كتاب أكفاء لاستعراض الأفكار والأهداف العليا لشعبنا.

مصادر التقدير ومراجعه

أنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات، لندن/ https://www.aljazeera.net-1

https://news.un.org/ar -2
3- Zionism cannot produce a just peace. Only external pressure can end the Israeli apartheid.Life Under Occupation:The Misery at the Heart of the Conflict

Palestinian and Israeli ambassadors to the UK on the Jerusalem crisis- 4

The girl who showed the world the suffering of Gaza’s children

https://www.ituc--5 - csi.org/Israel-Palestinian-human-rights?fbclid=IwAR356xf5mK6Gs-SJSxpLKpF83VSn-JIhzRwdyjbs6V53_Q85n2FTvPx7Cwg&lang=en

6- Israel -Palestinian ceasefire: Survivors in Gaza stand proud as they mourn

7- Salah tells leaders to end violence, fails to mention Palestine

الدكتور ، إحسان عادل، مؤسس ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين. وباحث دكتوراه في معهد دراسات التنمية الدولية IEE بألمانيا - 8