الكاتب: رولا سلامة
الكاتب : رولا سلامة
لم تكن زيارتي لمدرسة رأس التين الاساسية المختلطة محض صدفة، ولم تكن زيارة عابرة هدفها فقط، كتابة مقال عن المخاطر والظروف المأساوية التي تعاني منها المدرسة، والاهم من هذا كله طلبتها ، بل كانت بهدف تسليط الضوء على معاناة مدارس التحدي والصمود، ومعاناة طلبتها اليومية في الوصول للمدرسة من أماكن سكناهم، وأيضا لتسليط الضوء على الصفوف المدرسية وافتقارها لكل ما يحتاج له الطلبة، من أمن وأمان ودفء، والسبب في هذه المعاناة، دائما وأبدا الاحتلال وممارساته والمستوطنين وعربدتهم.
بعد السؤال والاستفسار عن واقع هذه المدارس، والتي يزيد عددها عن العشرين مدرسة ، فقد أقامتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، لتوفير التعليم للطلبة في التجمعات البدوية والمناطق المهمشة والقرى النائية، وبالتحديد في مناطق الاغوار ومحيط محافظة القدس ومناطق ما يسمى " ج".
زيارتنا الاولي لاحدى هذه المدارس والتي تقع في التجمع البدوي رأس التين شرق رام الله في منطقة القبون، المقامة على أراضي بلدات كفر مالك ، المغير وخربة أبو فلاح ( والتي يقطن بها حوالي 350 شخص تقريبا مقسمون لحوالي 40 اسرة يملكون مئات رؤوس الماشية التي تشكل مصدر دخلهم الاساسي) لم تكن سهلة علينا ولن ننسى ما رأيناه هناك.
ففي هذه المدرسة، والتي قام ببنائها الاتحاد الاوروبي، للتخفيف عن الطلبة في هذا التجمع، والذين كانوا يسيرون لمسافات تزيد أحيانا عن الخمسة كيلو مترات على أقدامهم، ليصلوا لمدارسهم في قرى مجاورة، وكثيرا ما كانوا يصلون متأخرين عن دروسهم الاولى.
فهنا في هذه المنطقة، بالتحديد في هذه المدرسة، الاحتلال جاسم على أراضيهم، ويراقب تحركاتهم، ويمنع أي بناء أو اضافة للصفوف، يمنع اقامة الملعب أو حتى بناء سياج ليحمي الطلبة ويوفر لهم الملعب الامن والساحة المدرسية ليلهوا بها، والاحتلال يمنع اقامة المراحيض للطلبة، ويمنع عمليات الاصلاح للصفوف أو تعبيد المدخل أو الشارع الواصل للمدرسة، يمنع حتى تزويد المدارس بالكهرباء أو صهاريح مياه الشرب، فأي حياة يعيشها طلبتنا في مدارس الصمود ؟ وأين العالم ومؤسسات حماية الاطفال من هذه الممارسات وهذا الواقع المرير !!
فالمدرسة مكونة من سبع صفوف أو بالأحرى سبع غرف صغيرة ، جدرانها بنيت من الطوب، وسقفها من الصفيح ، يتم هنا جمع الصفوف معا، وجمع الطلبة ليتم تدرسيهم معا لافتقار المدرسة للصفوف وللطواقم ، والمدرسة لا يوجد بها مقصف خاص لشراء احتياجات الطلبة من الطعام والشراب، ولا ملاعب ليتمكن الطلاب من اللعب في الاوقات المخصصة لذلك، والصفوف كئيبة حزينة لا ألوان فيها ولا صور ولا ألعاب تعليمية، باردة شتاء وحارة صيفا، نوافذها غير متماكسة، ولا تدفأة في صفوفها، ولا برادي لنوافذها، ولا بساط أو سجاد على أرضيتها، والطلبة يجلسون على مقاعدهم منكمشون بسبب البرد الشديد داخل صفوفهم.
وبالرغم من كل هذا، يصمد الطلبة في مدرستهم ، ومعهم المعلمين والمعلمات،
فنحن نتحدث هنا عن قرابة 22 مدرسة تحدي وصمود، والتي تحوي على مئات الطلبة من الجنسين، بالاضافة لعشرات من المعلمين والمعلمات، يصمدون بالرغم من تعديات المستوطنين وعربداتهم، ومن هجمات واقتحامات جنود الاحتلال للمدارس وترويعهم للطلبة، واجبارهم على الخروج من صفوفهم التعليمية، ومراقبة ومنع أي عمليات صيانة للصفوف المدرسية، فالاحتلال كعادته يطمع في السيطرة على كل الأراضي الفسطينية وتجهيزها للاستطيان .
لم أكن لأستوعب كل ما سمعته، ابتداءا من حديث السيدة نورا أزهري مديرة المدرسة التي شرحت لنا مطولا وضع المدرسة هذه، وكيف أنشئت، وما هي التحديات التي تواجههم، حيث قالت: مدرسة رأس التين الاساسية المختلطة انشئت قبل حوالي العامين، والظروف هنا صعبة للغاية، والاحتلال يقف عائقا امامنا، وأمام تحسين ظروف التدريس وتسهيل حياة الطلبة، فمياه الامطار تغرق الصفوف بالشتاء.
وتضيف المديرة: لدينا حوالي 45 طالب وطالبة وعشرة من المعلمين والمعلمات وطاقم الادارة، نحن نتبع لمديرية التربية والتعيلم في بيرزيت، والوزارة تتابعنا باستمرار وتوفر احتياجاتنا الاساسية، ولم تقصر معنا ، ولكن الاحتلال يقف عائقا أمامنا.
كانت الزيارة مع وفد من لجان المقاومة الشعبية ، زيارة لوضع الخطط والتصورات لتغيير واقع الطلبة، وتسهيل ظروف حياتهم، وتزويدهم ببعض احتياجاتهم ، وتسليط الضوء اعلاميا على معاناتهم، وصعوبة وصول الطلبة لمدرستهم، ووعورة الطريق ، وعدم توفر المواصلات، فقد شاهدنا بأم أعيننا وصول بعض الطلبة لمدرستهم وهم يركبون على دابتهم ، وأخرون يسيرون مسافات من خيمهم لصفوفهم، ويتحملون حر الصيف وشمسه الحارقة، وبرد الشتاء وأمطاره الغزيرة.
وبعد كل هذا ، لم تسلم هذه الصفوف من المضايقات الاحتلالية ، وعمليات الهدم التي طالت العديد من هذه المدارس بحجج واهية، الا أن العملية التعليمية ما زالت مستمرة حيث أن التجمعات التي يقطنون بها لا مدارس فيها، ولا تعترف بها اسرائيل ولا تسمح باقامة أو تشييد مدارس أو صفوف أو حتى وحدات صحية .
اللافت للنظر هنا، أن العديد من المؤسسات الدولية والبعثات الدبلوماسية المختلفة والوفود والصليب الاحمر زارت المدرسة ، وأيضا وسائل الاعلام المختلفة، وتعرف الجميع على مشاكل الطلبة، ومشاكل المدرسة، واطلعوا على الصفوف الدراسية وأوضاعها المأساوية واستمعوا لشرح مفصل عن الاعتداءات الاسرائيلية، الا أن شيئا لم يتغير وبقي الحال على وضعه، فأين العالم ومؤسسات حقوق الانسان ومؤسسات حقوق الاطفال والمؤسسات الدولية والمحلية والجميع مما يعيشه طلابنا في مدارس التحدي، ومما تمارسه حكومة الاحتلال ضد الطلبة والتعليم والمدارس ؟
وهل يعقل أن يستمر الوضع هكذا، وأي مستقبل ينتظر أطفالنا في مدارس التحدي؟ وهل ينتظر العالم أن يضيع مستقبل أطفالنا ويتركون مدارسهم ودراستهم، قبل أن يتحرك، وهل بامكان الطفل الذي عانى الأمرين في الدراسة والحياة بسبب الاحتلال والمستوطنين، ولم يستمتع يوما بحياته أو بمدرسته أن يعيش حياة طبيعية!!
الاجابة لدى المجتمع الدولي ومؤسساته ؟؟؟
الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن الوضع العام في فلسطين والحياة اليومية وتحدياتها والقضايا الملحة وتأثيرها على المجتمع الفلسطيني .