الكاتب:
عبد الغني حسن
منذ العام 2015، أي مع اندلاع الحرب في اليمن بسبب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، كان اقتصاد البلد أبرز القطاعات الحيوية المتأثرة نتيجة الصراع، وما زاد الطين بلة هو مصادرة الحوثيين أكثر من 5.5 مليار دولار من احتياطات البنك المركزي اليمني، ومن ثم الانقسام الاقتصادي الذي حدث في أعقاب نقل مقر البنك المركزي إلى مدينة عدن المُعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.
طوال هذه الفترة فقد الريال اليمني ثلاثة أرباع قيمته أمام الدولار حتى هوى إلى أدنى قاع مُسجلًا أكثر من 1700 ريال للدولار في الأسابيع الماضية؛ ومع الحديث السائد هذه الأيام عن مشاورات بين الحكومتين اليمنية والسعودية بهدف إقناع الأخيرة على وضع وديعة في البنك المركزي، استعاد الريال اليمني نصف قيمته فجأة دون أن تنعكس هذه الفائدة بعد على أسعار المواد الغذائية.
نقلت الحكومة اليمنية مقر البنك المركزي إلى عدن في 2016م، وفي أغسطس من العام 2017 أعلنت تعويم سعر الصرف بناء على وضع العرض والطلب في السوق المالية، بينما ذهب الحوثيون لاحقًا إلى تأسيس نظام مالي خاص بهم لإدارة السوق المالية في مناطق سيطرتهم، ومن أجل ذلك سحبوا كل العملات القديمة للتداول في مناطقهم ومنعوا العملات ذات الطبعة الجديدة من الانتشار في مناطقهم.
في الغالب تُدار أسواق الصرف من خلال شبكات صرافة أُنشأت خلال فترة الحرب، وهذه الشبكات تدير عملياتها بشكلٍ ذاتي دون إشراف البنك المركزي، خاصة في مناطق الحكومة، وتتبع شخصيات نافذة وقادة عسكريين، وهي المسؤولة بدرجة أساسية في استنزاف العملات الصعبة وخلق سوقٍ موازٍ في بيع وشراء العُملات دون أي ضوابط قانونية.
وتقع المسؤولية على الحكومة باعتبارها سمحت بهذه الفوضى، وفشلت في حشد إيرادات أغلب المحافظات الخاضعة لسيطرتها إلى أوعية البنك المركزي، ولم تطبق مبدأ الشفافية والعقاب في إدارة الشؤون المالية، وطبعت كميات ضخمة من العملة المحلية دون أي غطاء من العملات الصعبة لتغطية نفقاتها.
وتشير التقارير إلى أن قيادات رئيسية في السلطة الشرعية متورطة في عمليات فساد كبيرة وتربح بالحرب كما تسيطر لوبيات فساد على معظم موارد البلاد بما فيها عائدات النفط والتي تبلغ مئات ملايين الدولارات شهريا، وهي أموال تذهب إلى حسابات في بنوك خارجية تتبع قيادات حكومية بينها مسؤولون في مؤسسة الرئاسة وأقارب لهم.
بينما يتحمل الحوثيون المسؤولية عن جزء كبير من الفساد والانهيار المستمر وحالة الفقر أو الافقار الذي يعاني منه اليمنيون عن هذا الانهيار الذي أصاب اقتصاد البلاد، لكونهم انفردوا بنظام اقتصادي مستقل تسبب في اضطراب السوق المالية وفتح شهية أصحاب رؤوس الأموال والنافذين في المضاربة بأسعار العملات بسبب الفارق في أسعار الصرف بين مناطق سيطرة الحوثيين وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة.
يتحصل الحوثيون على إيرادات ضخمة من تجارة الوقود في السوق السوداء وفرض الضرائب على التجار وفرض حملات التبرع القسرية، كما أنهم يستحوذون على إيرادات ميناء الحديدة الذي يستقبل أكثر من 70 بالمئة من إيرادات البلاد، ويفرضون جمارك من جديد على البضائع القادمة من مناطق الحكومة إلى مناطقهم، ويسيطرون على إيرادات قطاع الاتصالات بالكامل.
ولدى الحكومة العديد من الأوعية الإيرادية، مثل إيرادات نفط مأرب وحضرموت، والضرائب، وايرادات الموانئ والطيران، لكن الفساد المسيطر على مؤسسات الدولة يجعل أغلب هذه الإيرادات تذهب لمصالح نافذين وقيادات تستخدمها في صالحها الخاص، وهو أحد الأسباب في تدهور الاقتصاد، إضافة إلى صرف الوديعة المقدمة من السعودية بملياري دولار عام 2018 بطرق غير مدروسة وتبذيرها في استيراد سلع غير أساسية.
هنالك سعي على ما يبدو من الحكومة اليمنية لبحث إمكانية الحصول على وديعة سعودية جديدة للتعافي الاقتصادي؛ لكن ما لم تُتخذ معالجات لإصلاح الوضع الاقتصادي ومعالجة أوجه الفساد فقد تذهب الوديعة كسابقتها التي تشير التقارير إلى استنزاف مبالغ كبيرة منها لصالح مشاريع الفساد.
الوضع الاقتصادي المتردي انعكس بدوره على الوضع المعيشي والإنساني، الكثير من الأسر اليمنية غدت عاجزة عن شراء احتياجاتها المعيشية نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء، ناهيك عن وجود أكثر من 15 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر في بلدٍ تصنفه الأمم المتحدة على أنه يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم.