الكاتب:
السفير حكمت عجوري
في اعتقادي انه لم يعد هناك اي امكانية لايجاد لغة مشتركة للحوار او التحاور السري او العلني يؤسس لتفاوض جدي يفضي الى انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي طالما بقي الحال على ما هو عليه و طالما بقي نفتالي بينيت او من هو على شاكلته رئيسا لوزراء الاحتلال وهو الذي لم يمر يوم منذ اعتلائه لأعلى منصب سياسي في اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، دون ان يدلي بشهادة تؤكد على ما ذكرت بعد ان اصبح اقصى ما يمكن ان يفعله هو تقليص الصراع بمعنى اطالة عمر الصراع اضافة الى ان تصريحاته العنصرية اصبحت تعريه سياسيا وأخلاقيا وذلك بدفاعه عن القتل الميداني للفلسطينيين من قبل جنوده اضافة الى ايمانه بان قطعان مستوطنيه غير الشرعيين هم حماة لكيانه الصهيوني وبالتالي فهو يرى ان من واجبه توفير الحماية لهم ومساندتهم بالرغم من ادانة وزراء من ائتلافه لممارساتهم الارهابية كما وبقية العالم اجمع الذي يعتبرالاستيطان وملحقاته العائق الاكبر ان لم يكن الوحيد امام تحقيق السلام على ارض فلسطين التاريخية ومن ثم المنطقة كلها.
الاستيطان وبدون شك هو اهم ادوات المشروع الصهيوني لمنع اقامة دولة للفلسطينيين على ارضهم وهذا ما سعى اليه شارون وأكد عليه في رسالة بعثها للصحفي ونستون تشرتشل سنة 1973 وهو ما يفسر سبب تبني كل رؤساء حكومات اسرائيل للاستيطان كاستراتيجية خدمة لمشروعهم الصهيوني وهذا يفسر ايضا سبب تبني نفتالي بينيت لهؤلاء الارهابيين وحمايته لهم كما فعل كل من سبقوه وهو ما يفسر ايضا سبب رفض اسرائيل المتواصل تاريخيا الى رسم حدودها.
في نفس السياق ازعم بان القيادة الفلسطينية تدرك حقيقة الاستيطان هذه وانها كانت احد الاسباب الجوهرية التي دفعت بالقيادة للقبول باتفاق اوسلو بالرغم من كل ما فيه من اجحاف بحق الفلسطينيين والقبول ببقايا الوطن لاقامة دولة فلسطينية عليها قبل ان يبتلع الاستيطان هذه البقايا في ظل وجود عالم ظالم وعالم يصبح عاجز عندما يتعاق الامر باسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، عالم لا يملك سوى سلا ح الصمت او في احسن الاحوال كلمات استنكار وشجب ازاء بلدوزرات الاحتلال التي لا تتوقف عن حفر الارض الفلسطينية المسروقة وتسويتها من اجل بناء مستوطنة غير شرعية وملحقاتها من بنية تحتية مدمرة بذلك البيئة الفلسطينية..
ومع ان هذا العالم ممثلا بمنظمة الامم المتحدة وفي هذه السنة فقط كان قد ادان اسرائيل من خلال جمعيته العمومية بالتصويت على 14 قرار ضد دولة الاحتلال مقارنة باربع قرارات فقط ضد بقية دول العالم البالغ عددها 194 دولة ، ما يعني ان نسبة 70% من حجم الادانات لهذه السنة كانت من حظ اسرائيل وهو ما يجعلها دولة مارقة وبامتياز كون كل هذه الادانات وكل ما سبقها لم تثني اسرائيل عن الاستمرار في جرائمها التي شبت عليها ولسنا هنا بصدد استعراضها ولكن نذكر اخيرها وهو تغيير سياسة الجيش الصهيوني المتعلقة باطلاق النار على راشقي الحجارة من الفسطينيين ومعظمهم من القاصرين حتى خلال هربهم من المنطقة .
هذا التغيير في سياسة جيش الاحتلال غير الاخلاقي لا يعني سوى توفير حماية للطبيعة العنصرية وغير الانسانية لاسرائيل الصهيونية وهو يشكل في نفس الوقت تحدي للقانون الدولي الانساني واهانة الى كل من اقر هذا القانون او من يحترمه علما بان الحجر في يد الفلسطيني هو مجرد وسيلة للتعبير عن صرخة مظلوم تجاه احتلال عنصري ظالم .
الى ما ماسبق أُضيف الى ما ظهر مؤخرا في الاعلام الصهيوني وهو ملف المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في حرب النكبة من اجل اقامة اسرائيل وهو ملف لا يمكن لاحد ضحد ما جاء فيه كونه اعتراف صهيوني بهذه الجرائم والاعتراف سيد الادلة والذي نشره المؤرخ ادم راز مؤخرا في جريدة هآرتس ، هذا الملف من المفروض ان يكون قد وصل الى المحاكم الدولية وقضاتها حتى يصدروا توصيتهم لمنظمة الامم المتحدة لمراجعة قرارها في قبول اسرائيل عضوا فيها وبان لا تكتفي بكونها حاضنة وحامية للشرعية الدولية وقوانينها، بقرارات ادانة فارغة من اي مضمون رادع لهذا الكيان الصهيوني الذي اصبح حاوية لجرائم الحرب وللعنصرية والتي تجسد بمجموعها الطبيعة غير الانسانية للحركة الصهيونية صانعة اسرائيل وراعيتها
الاحتلال بجرائم جيشه ضد الفلسطينيين والموثقة في المحاكم الدولية ومنظمة الامم المتحدة هو ارهاب والاستيطان هو احد ثماره السامة وهما يكملان بعضهم البعض كادوات لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني وهو ما يفسر اكثر سبب تبني نفتالي بيبيت وكل من سبقوه في منصبه لقطعان المستوطنين وهو ما يحعل من الجيش والمستوطنين ثنائية ليست عدوا للفلسطينيين فقط وانما هي ثنائية تعادي الانساية كلها.
من يتلف المحاصيل الزراعية التي يعتاش عليها اصحاب الارض الشرعيين، الفلسطينيون ، واقتلاع اشجارهم المثمرة وحرقها وهنا نخص شجرة الزيتون مصدر رزق نسبة كبيرة من الفلسطينيين وسرقة الارض وثرواتها هو بمثابة الحكم بالموت جوعا على اصحاب الارض و طردهم منها وترويعهم بالضرب والقتل وحرق بعضهم احياء كما ابو خضير والدوابشة وهذا هو دور المستوطنين لحماية كيانهم الصهيوني كما يزعم بينيت وهو ما يجعله باقواله وافعاله رئيسا لوزراء الاستيطان والمستوطنين.
ما سبق يؤكد على حقيقة ما بدأت به المقال وفي نفس الوقت ولكن وبدون تناقض ادرك واقر بان التفاوض كان قد اثبت نفسه وعلى مدار التاريخ كوسيلة فعالة وناجحة لانهاء العديد من النزاعات ولنا في فيتنام خير مثال ومع ذلك نستدرك بالقول بان سر نجاح التفاوض الفيتنامي الامريكي كان بسبب ان تكلفة استمرار الحرب الامريكية في فيتنام اصبحت مرهقة للطرفين ومرهقة اكثر ماديا واخلاقيا للطرف الامريكي المعتدي وذلك بالرغم من ان ميزان القوة العسكرية وبدون شك كان يميل لصالح امريكا وهو ما انطبق على حروب ونزاعات اخرى نجح التفاوض في وضع نهاية لها مستمدا سر نجاحه وقوته وكما اسلفت من قانون التكلفة.
فشل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي تلت اتفاق اوسلو كان سببه يكمن في ان الاحتلال واستمراره لا يكلف اسرائيل اي شيء بل وعلى العكس فهو احتلال مربح سواء اكان ذلك على الصعيد المادي من خلال السوق الاستهلاكي الفلسطيني والعمالة الرخيصة وسرقة الارض الفلسطينية وثرواتها الباطنية اما على الصعيد السياسي فقد تمكنت اسرائيل من خلال استمرار الاحتلال وبدون تكلفة من عدم اضطرارها لرسم حدودها لتبقى مفتوحة لتتماهى مع شهيتها في سرقة وابتلاع اراضي خارج الحدود التي اقرتها الشرعية الدولية لها سنة 1947 وبسبب ذلك تحولت المفاوضات الى املاءات وهو ما كان يقوله الاخ المرحوم صائب عريقات وعليه فشلت المفاوضات وستفشل وستبقى تفشل الى اليوم الذي يصبح فيه المحتل الصهيوني غير قادر على تحمل ثمن استمرار احتلاله.